الشعر و الطبيعة و مدينة القدس: لقاء مع الشاعر الأمريكي فيليب تيرمان

أجرى اللقاء و ترجمه: صالح الرزوق

 

في قصائد الشاعر الأمريكي المعاصر فيليب تيرمان موضوعان أساسيان و هما الطبيعة و الدين اليهودي.

و يبدو أن يهودية تيرمان ليست خاصة. فهو يقرأ مفرداته الميتافيزيائية بدلالة المادة.

إنه يصلي غالبا في محراب الطبيعة. و يتعبد في حديقة منزله. و يكتشف المحبة و الإلهيات و كل القوى السحرية التي تعلو على الواقع بين أفراد عائلته، و لا سيما ابنته و أخيه و أمه و والده.

مثل هذه الاهتمامات المبسطة تضعه أمام عواطف بسيطة أيضا. كالخوف من الضياع و النسيان. و كالحزن من الموت بسبب التقدم بالعمر. أو الوفاة برصاصة لا تعرف ما هو مصدرها.

و هذا يوفر لتيرمان معنى دلالة واقع كلوستروفوبي. إنه يخاف من نفسه و من الطبيعة فائقة الاتساع. و لا يجد الراحة إلا في القاعات و البيوت و تحت ظلال طبيعته الفردية و المستقلة. بمعنى أنه يهرب من قانون الذات إلى أحضان الطبيعة ذات المشهد الصغير. وفي هذه المساحة المحدودة يبني عالمه بشيء من التأني و بكثير من الورع و الخشوع.

ولد فيليب تيرمان في كليفلاند بأوهايو في 4 تشرين الثاني من عام 1957. و درس في جامعة أوهايو حيث حاز على البكالوريوس في الأدب الإنكليزي. ثم الماجستير بالفن و الأدب الإنكليزي. و حصل على الدكتوراة من نفس الجامعة.

عمل بتدريس الأدب الإنكليزي في جامعة أيوا الحكومية من 1988 و حتى 1991 . ثم انتقل للتدريس في جامعة كلاريون منذ 1991 و حتى هذا التاريخ.

وصدرت له ست مجموعات شعرية هي على التوالي: الناجون ، ١٩٩٣؛ بيت العبادات ، ١٩٩٨؛ كتاب الأيام الصامدة، ٢٠٠٤؛ كهنة من هذه الأجواء،٢٠٠٧؛،حديقة التوراة، ٢٠١١؛ آياتنا : قصائد مختارة و قصائد جديدة ، ٢٠١٥.

حول تفكيره الفني و علاقة الثقافة بالمجتمع ورؤيته للطبيعة الوجودية الملتبسة للصراع العربي الإسرائيلي كان هذا اللقاء.

-------------------

عن الأدب

 

*متى ظهر كتابك الأول. قبل أم بعد عملك كأستاذ في الجامعة؟.

- كتابي الاول من نوع ما نسميه دفاتر أدبية- حجمه نصف حجم الكتاب العادي. و عنوانه (الناجون)،و تصادف نشره عام ١٩٩٣ بعد عام من بداية عملي في جامعة كلاريون. أما كتابي الكامل الأول وهو (بيت العبادات) فقد ظهر عام ١٩٩٨.

*ما هو كتابك القادم. هل أنجزت جزءا منه. هل له عنوان في ذهنك. أم أنك تستريح قبل أن تكتشف طريقا آخر نحو التبديل و التجدد؟.

-الكتاب يتطور بالتدريج بعد الانتهاء من عدة قصائد. و قد انتهيت للتو من قصيدة بعنوان " سادة مضعضعون و حمقى"، إنه عنوان إرتاح له، و لكن يجب أن أنتظر لأرى ماذا ستكشف عنه القصائد التالية- التي كتبتها و التي أفكر بكتابتها. و باعتبار أن كتابي الأخير لم تمض عليه فترة قانونية، فأنا في وضع يتيح لي أن أرتاح و لا أسرع الأمور، و ربما أغط في إغفاءات و آمل بمشاهدة أحلام شعرية!. هل تفهم ما أقول؟. أن أكون شخصية إذاعية مشهورة أقرأ قصيدة على الهواء كل صباح. من حوالي شهر تلوت إحدى قصائدي و تدور حول الاستلقاء في أرجوحة و الإصغاء لبروست.

*ماذا تعرف عن الأدب العربي؟.

- القليل، و أرغب بالتعرف على المزيد. لقد اطلعت على أدونيس و درويش و عدد آخر. و أعلم أن لديكم تقاليد عميقة الغور و غنية.

*العرب في أمريكا أقل أهمية من الإيرلنديين و الأنغلوساكسون لكنهم موجودون. مثلا سنان أنطون الشاعر و الروائي العراقي، إدوارد سعيد الفلسطيني المسيحي مؤلف (الاستشراق) و (الثقافة و الإمبريالية) و (خارج المكان). و حليم بركات المتخصص بعلوم الاجتماع. هذا غير المرحوم هشام شرابي مؤلف (جمر و رماد). ما هي الرسالة التي يتلقاها منهم المجتمع الأمريكي. و هل لها تأثير يذكر؟.

-للأسف لا أعرف ما يكفي عن أعمال أنطون. و لكن سأهتم بشعره و رواياته. بالنسبة لسعيد. له تأثير واسع على الأمريكيين الليبراليين و كل من يعتقد أنه على الفلسطينيين أن يعيشوا في بلد لهم. و قرأت قسطا يسيرا من أعماله، و أرى أنه صوت مؤثر. و لكنني لا أمتلك المفاتيح الصحيحة لأعماله. مع ذلك لا زلت أرى أنه أثر بشكل عميق في المهتمين بالشرق الأوسط. إنه محترم على نطاق واسع.

*من هو الشاعر الذي تحبذ قراءته مرارا و تكرارا؟

- طبعا أحب عددا من الشعراء. من بين المحدثين: ويتمان، نيرودا، سبيهري، فاليغو، ريلكة، ديكينسون، كيتس، لوركا، بول سيلان، يهودا أميخاي، محمود درويش، أدموند جايبيس، أوسيب مانديلستام، ييتس، ميوش، جيمس رايت...

* كيف تقرأ نيرودا كثيرا، مع أنه لا يكتب إلا عن زوجته و وطنه. ماتيلدا و شيلي. أما أنت فترسم شكلا إيمانيا آخر. زوجتك غير موجودة في القصائد. و يحتل المساحة الأولاد و الأب و الأم. أما الوطن فهو حديقة المنزل. هل من توضيح؟.

- حسنا، أنا مغرم بشعر نيرودا- عاطفي و موسيقي و يسعدك أن تقرأه، بحكمته و حساسيته و طاقته الخاصة.

أما غياب زوجتي؟. أنت لم تقرأني كما يجب. أتساءل عن أي كتاب تتكلم؟. قصيدة "حديقة التوراة" كلها عن الزوجة و الحديقة. و الزوجة غالبا مرتبطة بالحديقة، فهي سيدتها. و لو لديك نسخة من كتابي الأخير تجد فيه عدة قصائد مخصصة لها، و منها القصيدة الطويلة "من أجل غانيا".

* أفهم سر افتتانك بأميخاي و محمود درويش. و لكن ماذا عن سيبيهري، فهو إيراني؟.

- ببساطة أنا أحب سبيهري- قصائده ذات إيقاع، ابنة لحظتها، و تحتضن العالم برحابة صدر.

*في النثر من هو الروائي المفضل لديك؟.

- كافكا، دستويفسكي و تولستوي و تشيخوف و شتاينباك و صول بيللو و فيليب روث و جويس و بروست و إسحاق سينغر. موبي ديك لملفيل.. و بوسعي أن أذكر المزيد فالقائمة غير منتهية.

 

القدس و اليهود

 

* أجد أن قراءاتك تميل للشرق. إلى أي درجة تعتبر نفسك استشراقيا؟ دعني أوضح: هل هذا بسبب تعلقك بمدينة القدس. وماذا تعني لك هذه المدينة؟..

- لست متأكدا ماذا تقصد بالاستشرق في سياق سؤالك. أما القدس، كما تعلم، هي مركز الديانة اليهودية- إنها كما ورد في كتاب اليهود المقدس " المدينة المقدسة"، مدينة دافيد، و معبد سليمان. و هي اختزال لفكرة " أرض الميعاد" عند اليهود. كان المعبد مركز الديانة اليهودية، و مقره القدس. و بعد هدمه، للمرة الثانية عام ٧٠ م.، أصبحت اليهودية كهنوتية و أصبح لديها وسطاء يدرسون ما يعتقدون أنه " كلام الرب". يعني التوراة، كان عملهم تفسير التوراة. و هكذا انتقلت اليهودية من المعبد إلى الكنائس، أو دور الصلوات و العبادة. عموما، معظم اليهود يعتقدون أن القدس لا تزال مدينتهم المقدسة. و في عيد الغفران يحيون أنفسهم بعبارة "العام القادم في القدس". و معنى ذلك: نحتفل بالعيد في القدس ، مدينتنا المقدسة و الموعودة، بإذن الرب. و قصيدتي عن إسرائيل تبدأ بعبارة "العام القادم في القدس" و هي تتحدث عن هذا الموضوع. و لكن من ناحيتي، أحب أن أنظر لكل ما ورد في الكتاب المقدس- و أيضا لكل النشاط الألسني الذي له صبغة أدبية- أنه مجاز. و لذلك أتعامل مع القدس على أنها مكان مقدس للروح، أنا أعلى، لاشعور في حالة تصعيد. يمكنك أن تسميه إلهيات أو فقط شعور متعال عن معجزة كل دقيقة في حياتنا، و التي هي بدورها هبة علينا أن نحتفل بها، إنه نشاط مخصص يتركز حول الكينونة في الحياة. و لذلك القدس عندي هي ليست مكانا في بقعة مختلفة، إنما هي مساحة، فضاء في الداخل. في داخلنا. و هذه رؤية شعرية، و أرى، أنها نقطة مشتركة بين عدد من الشعراء و الكتاب.

*هنا نصل للسؤال المعقد.. ماذا تعني بأرض الميعاد تحديدا؟ هل توافق على التطهير العرقي الذي يتعرض له العرب في بلادهم؟.

- أنظر للقدس على أنها أرض ميعاد يحمله اليهودي معه في خلاصة روحه. و يجب أن تتذكر أن اليهودية تطورت خلال سنوات- و يوجد من هذا الدين مستويات. و لكن وراء ذلك، و هو الشيء الأخاذ في اليهودية ( و مدعاة للحيرة عند كثير من الناس، و ضمنهم اليهود) أنه لا يوجد معتقد إيماني مركزي واحد يتفق "كل" اليهود عليه. اليهود استقلاليون، و يتبعون مسارهم الخاص. و خصلة أساسية في اليهودية هي " الحوار". نحن ننتجادل كثيرا- و لذلك نبرع في المحاماة. نبحث بدأب، و نسأل الاسئلة، و لا نعرف المحدودات. و لذلك كان كافكا يهوديا بامتياز. و لكن هذه أيضا خصلة بشرية. العديد من اليهود لا يؤمنون بالله- و الإيمان بالله ليس ضروريا في دين اليهود. كان اليهود قبيلة ثم حضارة قبل أن يتحولوا إلى دين. و الدين هو وجه واحد من هذه الشخصية، و غالبا ليس هو الجزء الأهم منها. هناك أيضا الثقافة- الطعام، الفن، السلوك، و العذاب المشترك و المطاردة التي استمرت على امتداد ٢٠٠٠ عاما، إلخ. و عند اليهود ثلاث فروع أساسية هي:

الأرثوذوكسية- و هي الأوضح، و تؤمن بالكتاب المقدس حرفيا. و يقتنعون أن القدس هي أرض الميعاد فعلا و يجب احتلالها و الاستئثار بها.

المحافظون- و هؤلاء يؤمنون يقداسة الله، و القدس، إلخ... و أن اليهودية دين خاص، و القدس مكان مقدس، و لكن ليس بالضرورة مخصصا لليهود و يدنسه حضور الأغيار.

الإصلاحيون- و هؤلاء ليسوا متزمتين. و لكنهم ينتسبون لليهودية من خلال التربية التي يتلقونها من الأسلاف و العائلة و الطقوس و الثقافة. و مشاعرهم حول إسرائيل تأتي من أن اليهود تعرضوا للاضطهاد لألفي عام، و هم إنسانيا بحاجة لموطن يستقرون فيه. و هكذا نشأت الصهيونية- ليست حركة دينية، و لكن كطريقة للحصول على موطن لا تعاني فيه من الاضطهاد و الإدانة.

و من وجهة نظري كلا، لا أوافق بأي شكل من الأشكال على الإبادة و التهجير الذي يتعرض له العرب.و هذا هو حال الغالبية- غالبية اليهود. و لكن أعتقد أن كثيرا من اليهود يشعرون أن إسرائيل هي موطن لليهود بشكل خاص. و هذا ( برأيي) ناجم عن الخوف و الخشية- و هو مرتبط مباشرة بالمحرقة و بالتاريخ وإشكالاته و الذي قاد اليهود إلى محرقتهم في غرف الغاز. و لو تسنت لك قراءة قصيدتي "قدسنا Our Jerusalem" ستلاحظ أنه سبقتها قصيدة "في أوشفيتزة At Auschvitz " - لقد جاءت إسرائيل إلى الوجود بعد تراجيديا المحرقة.

* القدس إذا فضاء يحتل مساحة في الداخل. كم يختلف هذا الكلام عن مقولة ميغيل دو أونامونو: أن الجحيم في داخلنا. و نحمله معنا ما حيينا. هل تعتقد أن الألم تفسير لعاطفة، البعض ينظر إليها كعاطفة مقدسة و البعض الآخر يعتقد أنها معاناة.

- نحن نسمع بهذه المعتقدات دائما- أن السماء و الجحيم حالة ذهنية. في الفردوس المفقود، يقول الشيطان إنه هو نفسه الجحيم. و أنا أرجح أن هذه المعتقدات حالة نفسية/ عاطفية/ روحية. و أفضل أن اعتقد أن " القدس" استعارة لمثال موجود في داخل الإنسان و لكنه يخدم نشر حالة السلام و الطمأنينة في العالم. لدى اليهود مفهوم هو "تيكون أولام Tikkun Olam" و يعني " شفاء و إصلاح الوجود". إنه اعتقاد نحن جميعا مسؤولون عنه لـ " شفاء" العالم حتى تنتشر حالة سلام و تعاون على أساس الاحترام المتبادل، بغض النظر عن الدين الذي تحمله.

 

الأدبية الشعرية

 

*لا أومن بالأجناس. و أفضل مفهوم الحساسية. هل تعتقد أن لديك حساسية شعرية؟ إلى أي مدى وصلت؟ و ماذا عن ظلال النثر في شعرك. هل أنت مرتاح للعناصر النثرية في قصائدك. و هل توفر عمقا للإنشاد الشعري الذي تكتشفه و تبنيه حجرة بعد حجرة؟..

- هذا سؤال مهم. أتمنى أنني حققت "حساسية شعرية". و هذا يعني إنجاز شيء جديد لجمهور مختلف. و لكنني لا أستطيع أن أقيم نفسي. أعتقد، مع ذلك، إنه لا تزال أمامي أعماق يمكن أن أصل إليها. و لا أعلم ما هي المسافة التي سأتوغل فيها، و لكن فيما بعد يمكن أن نتكلم عن ذلك. إنما أمامنا تحديات- على سبيل المثال، حياتي المنزلية غنية جدا و واعدة و معظم أشعاري تنبع منها. و لكن أيضا يمكنها أن تعيق استمراري مع المحور العمودي، محمور الأعماق، و الذي لا يتحقق إلا بالمعاناة، أو في الحياة بعزلة، أو بمواجهة حقائق الصدمة الإنسانية.

بالنسبة لظلال النثر- ربما تقصد السردية أو رواية حكاية في القصيدة؟. لو هذا هو ما تعنيه، هذا شيء مهم عندي. اليهودية دين حكائي في ثقافته و حضارته- و الكتاب المقدس و النصوص المختلفة حافلة بالحكايات. هل هذا ما تعنيه " بظلال النثر"؟ في قصائدي حكايات، و معظمها سمعته و لم أعايشه.

* كنت أشير إلى اختيارك الأساسي.. أنت تكتب قصيدة النثر و بلا بحور و لا قافية. و كذلك تهتم بما يسميه فوكو "نثر الحياة"..

-الشعر المعاصر بجوهره يشبه النثر لأن الشعراء المعاصرين ( في غالبيتهم) لا يستعملون البحور و الإيقاع التقليدي. و لذلك تتوالى بيوت الشعر مثل الجمل. و لكن يوجد عمود فقري موسيقي له نغمة، الكلمات تكون ترنيمات مرتبطة برتابة تتشارك بها مع الشعر الكلاسيكي. حينما قال الشاعر الإنكليزي الرائد بليك عبارته minute particulars كان يعني أننا نرى " العالم في حبة رمل". نحن نحتفل بالموضوع العادي و الإيماءة العابرة في لحظتها و نحولها إلى معنى يقاوم الفناء.

*ماذا تقول عن الدراما الشعرية ( شكسبير مثلا) و الروايات الشعرية التي بدأت تدخل إلى ميدان الرواية. هل ترى أنهما من الشعر أم مجرد فنون متطفلة؟.

- نعم، هي شعر حقيقي- كل الأدب العظيم، مهما كان نوعه، له تأثير. و قد ذكرت عددا من الروائيين المفضلين عندي، و أعلم أن عددا منهم شعراء- بروست، جويس، فوكنر، ماركيز ( الروائي الفانتازي و الساحر)، كافكا ( شاعر بأسلوبه الخاص).

 

موضوعات أخرى

 

*أنت أمريكي. و لكن أمريكا تقريبا كل شيء و لا شيء. من أين هي جذورك، أسلافك؟ و هل لذلك أهمية؟..

- سؤال جيد. جذوري تضرب عميقا في ثقافة اليهود، و حسب علمي نحن ننحدر من روسيا، حيث يستقر أسلافي. و قد هاجر أجدادي من روسيا إلى الولايات المتحدة بسبب مذبحة اليهود pogroms- اضطهاد منظم تعرض له يهود روسيا. و كما بمقدورك أن تلاحظ في قصائدي، جذوري لها أهمية لا تنكر- لأنها هي المسؤولة عما وصلت له الآن. لقد كتبت عن الجذور في قصائد متعددة، منها:" مصنع الثياب"،" صورة للسفينة بلغاريا"، و غيرها مما لا داعي لذكره هنا.

* أرى أنك تألمت من حجم الدمار و الموت الذي يكتسح العالم في السنوات الحالية. و في قصيدة قصيرة لك عن راشيل كوري انتبهت كم انت مكتئب و في حالة نزاع مع الذات. و لكن راشيل هي نتيجة فقط لسبب سبقها. ما هو السبب في رأيك؟.

-أنت تشير إلى السبب الذي كتبت من أجله عن راشيل؟. راشيل بنظري بطلة جسورة بسبب مشاعرها تجاه الناس الذين يعانون و في محاولتها للاحتجاج على تهديم بيوتهم، و الذي يبدو لي أنه إجراء متطرف. يخلو من المشاعر، و يخلق حالة من الخوف و الذعر. و أعتقد أن الخوف يصنع التطرف من الجانبين. و قصيدتي عن راشيل سياق طويل حاولت من خلاله التعبير عن تطور رؤيتي لحالة الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي. و بالمناسبة، هذه القصيدة ستنشر في مختارات عنوانها "انثولوجيا فلسطين" ( كما أعتقد). و قد كتبت تمهيدا للقصيدة سينشر أيضا في المختارات. و به أفسر أفكاري عن منابع القصيدة.

* كنت أسأل في الواقع عن أسباب الظاهرة. لماذا توجد ممانعة تحرض راشيل كوري على توريط نفسها في هذا الصراع. و لكنك أجبت عن سؤالي بشكل غير مباشر. ننتقل الآن إلى وضوع آخر. في أمريكا انشطار. العالم الجديد يختلف عن الولايات المتحدة. و هذا يصدق على الاتحاد السوفياتي و روسيا. كل منهما كتلة مستقلة. و هذا يقودنا إلى السؤال: الكتابات الجديدة تختلف عن الجذور التي جاءت منها. البدايات شيء آخر. لا أعلم ماذا نسمي شعر القرن السادس عشر لو اتفقنا أن الشعر المعاصر هو فن الشعر نفسه. ماذا تعتقد. أليس الموضوع يشبه ركوب الحصان و ركوب السيارة؟.

- لو فهمت سؤالك أعتقد أنك تشير إلى الاختلاف بين الشعر القديم و الحديث. الاختلاف واسع مثل ركوب الحصان و ركوب السيارات. و لكن هذا شيء له علاقة بالمواصلات و تطور التكنولوجيا. عموما توجد تشابهات (لاحظ معي كلمة قوة الحصان). اللغة وسيط، إنها تقنية شكلية: الخيال، الإسقاط، الإيقاع، التركيب فهي توظف المفارقة و الغموض و تشابه الموضوعات. و هذا ممكن في الفن. لا شك أن لوحات مايكل أنجيلو تختلف عن رسومات فان كوخ ثم عن الفن الحديث لبيكاسو؟. إنه شيء له علاقة بتطور الفن. الثقافة متحولة دائما، تتطور (و لا أعلم لو أنها تتقدم)- مثل كل شيء آخر- الهندسة مثلا، قارن العمارة اليوم و بالأمس. هل أجبت على سؤالك؟..

* لو ابتعدنا قليلا عن الشعر. أرى أن العلاقة بين العرب و اليهود ليست مريحة. بدأت المشكلة في فجر الإسلام. و بعد الحرب العالمية الثانية أخذ الصراع الديني شكلا قوميا و سياسيا. كيف انتقلت المواجهة من الجزيرة العربية إلى شرق المتوسط. هل تعتقد أنها نفس المشكلة ، أم أنها مشكلة جديدة بأقنعة قديمة.

- بالتأكيد لست خبيرا بهذه المشكلة. و تاريخيا كان العرب و اليهود في وئام لو قارنت علاقة كل منهما مع المسيحيين ( فكر بالحملات الصليبية). لو لم يكن أمامي غير الخيارين أعلاه، أفضل أن أقول: نفس المشكلة لكن بأقنعة قديمة. إنها مشكلة أرض، أليس كذلك؟.

- ليس لديك إحساس بالذنب مع أنه موجود بأعلى جرعة في أعمال ليزهار سميلانسكي و عاموس عوز و اتجار كيريت و يائيل دايان. ما هي الأسباب برأيك لمشاعر الذنب، اجتماعية أم سياسية؟..

- لو سألت عائلتي و أصدقائي سيخبرونك بحقيقة مختلفة عن الذنب. الذنب غالبا حساسية دينية- أننا لا نبذل ما بوسعنا في مجال الأخلاق و السلوك. "الذنب اليهودي" عبارة شائعة- الذنب كما أرى هو استجابة نفسية لأفعال المرء- و بعض الذنوب التي تؤرقنا مبررة لأننا نشعر بالذنب بسبب التقصير. أو بسبب اقتراف الأخطاء. إنه يحض على التدارك والتصحيح.

 

آب 2015

 

started 1 MAY 2010                 email : info@ila-magazine.com

design: gitta pardoel logo: modhir ahmed   © ila-magazine