الإنسان بكل لحظاته اليومية وتفاصيله الدقيقة

إلـــــــــــــــــى

 

يُعد الفنان العراقي حنوش من بين الفنانين العرب الذين أثبتوا حضورهم في العالم الغربي، إذ تمثل أعماله مثالاً للمزج بين الشرق والغرب الأمر الذي فتح له أبواباً لإنشاء عالم أصيل وبلا حدود في إبداعه. ولد حنوش في مدينة الكوفة بالعراق. ودرس في معهد الفنون الجميلة في بغداد للفترة  1974 إلى 1979.  بعد اتمام دراسته هاجر إلى اسبانيا  للدراسه للفتره مابين  1991..1984  وحصل على الماجستير والدكتورا في الفنون الجميله من جامعه كومبلتنسه في مدريد، ويعيش في هذا البلد الأوربي منذ عام 1981 وتفرغ منذ ذلك الحين للعمل الفني في مجال الرسم بمختلف جوانبه الحديثة ويحاضر في الجامعات والاكديميات الاسبانيه، ونظم أكثر من ثلاثين معرضاً شخصياً في اسبانيا وخارجها والعديد من المعارض المشتركة والمهرجانات الفنية المحلية والعالمية وحصل على أكثر من 32 جائزة فنية مميزة.

منذ نشأته الفنية وحتى الآن لم ينقطع عن تأثيرات الفن الاسلامي والسومري في مختلف جوانب أعماله الفنية. وكان موضوع اطروحته للدكتوارة حول الرسام الكبير يحيى الواسطي الذي عاش في القرن الثالث عش في العراق.

يعمل الفنان العراقي حنوش في لوحاته الفنية ببعدين، في الأول يركز على ترتيب المواقف بإيقاع وتشكيل مستو، سواء أن كانت متوقفة أو متحركة. وفي الثاني يركز على عدم وجود زاوية نظر، ولكن بنتيجة تقوم على أساس الشكل برسم مهمته للتحكيم والعمل على الانسجام في هيكيلية فن الخط. ودليلاً على ذلك، إن كل إشارة، بغض النظر عن معناها، تمثل بحد ذاتها شكلاً له أبعاد وترتيب يميل إلى تحقيق نتائج وفق مفاهيم هندسية تسهل تفسير الحقيقة وفهمها من خلال امتزاج الخط مع بقعة اللون لتأخذ الجمالية شدتها بالظهور بانسجام يُسهم في ايجاد حوار لتلاقي تقاليد متناقضة من زوايا نظر مختلفة لخلق مجال فني خاص به.

 خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات، شكل تصوير مباني ساحات مصارعة الثيران    التي اشتهر فيها حيث يعد حنوش من ابرز الفنانين الذي قدموها باسلوب حداثي     ومنح   المكان اهميه مميزه. وتميز برسم لوحات فنية تمثل مشاهد لمدن اسبانية  وأوربية عدة كما اشتهر فنانو عصر النهضة مع مدنهم، ولكن باسلوبه الفني المعاصر. تميز حنوش أيضاً بنظرته الفريدة من خلال رسومه للبحر، حيث يمزجها مع رسم الأشكال ومواضيع اخرى معيداً بذلك اسلوب الرسم الشرقي.

وفي السنوات الأخيرة، انجز حنوش عملاً مهماً يعكس الجوانب الانسانية لمعاناة العراقيين نتيجة أعمال العنف التي ضربت العراق بأبشع أشكالها بعد عام 2003، وقد نال هذا العمل الذي أطلق عليه اسم " بغداد"، الكثير من الآراء والمقالات النقدية التي قارنت هذا العمل بلوحة "غرينكا" للفنان الاسباني الكبير بابلو بيكاسو. تتكون لوحة بغداد من ستين لوحة مربعة الشكل تكون لوحة فنية كبيرة بقياس 272 سنتم ×673 سنتم، وكذلك تشمل أكثر من مائة تخطيط بمختلف الأحجام للرسوم الأولية، إضافة إلى شريط فيديولمدة ست دقائق يشرح فيه  مقدمات العمل.

بعد انجاز هذا العمل وعرضه في صالات فنية تابعة لمؤسسات ثقافية حكومية وخاصة في اسبانيا، يعمل حنوش حالياً لانجاز مجموعة من اللوحات الفنية اسماها المنظور المتعاكس، تتضمن العلاقة الفنية والانسانية بين المدينة والبشر والكائنات الأخرى في تقاطع متجذر ما بين الرغبة في اللقاء والهروب من الخطوة القادمة. وفي هذه اللوحات لايبرر الشخصية كحالة مجردة من الانتماء للحيز في اللوحة، بقدر ما يرغب في اللعب والبحث عن تفريغ معاصر للحركة الانسانية عبر تلاقياتها المتعددة وفي أطوار تجاربها بكل لحظاتها اليومية وتفاصيلها الدقيقة.

وبهذه الأعمال الفنية المهمة، حقق حنوش اسماً بارزاً ومكانة عالية في أوساط الفن التشكيلي الاسباني، إذ أن العديد من موسوعات الفن المعاصر تتناول أعماله الفنية باهتمام وتخصص لها دراسات وتحليلات عدة. ومن خلال طبيعته وشخصيته كفنان بارز، بات واضحاً لدى الأوساط الفنية والمهتمين بالفن امكانية التعايش بين الشرق والغرب. ورغم أن ذلك كان يبدو أمراً بالغ الصعوبة، لكنه أصبح حقيقياً من خلال التأمل لأعماله.

 

عن تجربته يكتب حنوش :التركيبة المعقدة للمنظور المتعاكس

  "الغرض من الفن هو تجسيد الجوهر السري للأشياء وليس استنساخ أشاكلها"

"ارسطو"

 

عندما اتحدث عن نشأتي الفنية في بغداد، فاني أُشير إلى الرؤى الأولى المتعلقة بالحضارة الاسلامية وثقافة القلم التي تُعتبر، في بعض الحالات، بعيدة عن طروحات الفلسفة الجمالية الغربية مع الأخذ بالأعتبار مساهمة الإسلام في دفع الغرب لمنابع الثقافة القديمة من خلال نقل وتفسير الكثير من النصوص المتعلقة بالفكر الاغريقي والعمل من أجل العودة للفكر الذي أثر بشكل بارز في الفلسفة الجمالية في القرن الثاني عشر، خاصة المتعلق بفكر ارسطو.

يُشير المؤرخ  والناقد الفني خوسي ميغيل بورتا فيلتشيث قائلاً: " يمكن لنا أن نتحدث عن وجود عهد مزدهر، يعرف بـ "القرن الذهبي" مماثل لعصر النهضة الذي انطلق في ايطاليا، إذ أن الفن الإسلامي سبق معاصيره من حيث تركيزه على الشكل والمتعة في جوانب العمل الفني".

لقد تجسد الفكر الانساني العربي في أعمال لمؤلفين بارزين مثل: ابن المقفع  والفارابي وابن الهيثم وابن رشد واخوان الصفا من خلال المزج بين فكر ارسطو والفكر الافلاطوني المجدد. وهنا، يمكن وضع جوهر الفن الاسلامي وفكرته للجمالية في سياق فكر فيثاغورس الجديد الذي يقوم على فلسفة الأبعاد الهندسية للكون والفكر الافلاطوني المجدد لتجمع المفكرين في بغداد الذي يُعرف بـ "التوحيدى" وينظر إلى الجمالية كفكرة موحدة ومتكاملة بشكل منسجم تتفوق على الطبيعة والمادة من خلال عمل الفنان.

يُشكل الفكر الارسطو– افلاطوني تقليداً في علم الرياضيات يحدد شكل واستعداد الطرفين لتشكيل الجزء. وعلى الطرفين تحديد مساهمتهما وفق أبعاد هندسية  تُعتبر أساساً لجمالية الأشياء. وعليه، فليس هناك فن بدون نظام وأبعاد هندسية محددة. إلا أن فكر أرسطو غير مفهوم الشكل لأنه ليس فقط يرتبط بالأبعاد الهندسية ونظام الطرفين، وانما يكمن في روح الفنان التي تعرف في الاسلام بالتوحيد، إذ أن هذه المعرفة تكمن في روحه ووتدفعه لتحريك يديه كمفهوم أساسي في الاسلام.

تُعد شكلية الموضوع مهمة في الأفكار الأرسطوطوليسية وعندما يُنتج الفنان( موضوعاً مفيداً) يجب أن تكون لديه هذه الشكلية التي يريد انتاجها في روحه. فالطاقة أو الفكرة الفاعلة تتواصل مع روحه من خلال الارتباط مع المادة. وفي هذا المجال، فإن الفن هو الطاقة أو الافتراض الإبداعي، الخاص بقدرة الانتاج وفي الحقيقة يُحدث ماهو شامل وضروري. وبالتالي يمكن القول أن صفة مادة الفنان الخاصة هي شاملة.

يكمن طموح العمل الفني في تجميل وإكمال للطبيعة. والموضوع النهائي والمفيد يمكن أن يُختزل في الموضوع الشكلي، وأن الشكل والغاية يلتقيان عندما نجد انفسنا أمام حقائق تسير في عملية تحول مستمرة كما يحدث مع الكائنات الطبيعية والأعمال الفنية.

في هذه التجربة الروحية يبذل الفنان جهداً للحصول على المعرفة بعمق، إذ لاتقتصر العلاقة المتينة بين العمل الفني ومبدعه على نهاية العمل، وانما تشمل عملية انجازه بكاملها. وهنا، لا بد من الإشارة إلى الفيلسوف فرديريك نيتشه في قوله: " إن التأمل التام في الطبيعة لايحمل الفرد للاقتراب من المعرفة فقط، وانما يشكل له تحفيزاً لفهم الطبيعة الانسانية وظروفها وجوانبها السلبية والايجابية في كل هذا العالم الشاسع والمعقد الذي يشكل العالم الداخلي لكل فرد".

رغم عدم وجود منع صريح للتمثيل الرمزي في الاسلام، وهناك أمثلة كثيرة على تكامل العناصر التصويرية، مثل الخط والزينة، فقد تم إبعاد هذه المظاهر الفنية من المباني الدينية بما يسهل البحث عن الفن الأكثر تجريدياً بأنماط نباتية وهندسية متداخلة تميزه بعناصر الفن العربي، من خلال إدخال مفاهيم ورؤى جمالية تنشأ وتنمو في رحم الثقافة الإسلامية.

لقد نشأ فن الخط كوسيلة مقدسة بين الأشخاص لتدوين كتاب المسلمين المقدس. فأهمية النص يتم التعبير عنها من خلال كلمات خاصة وتجريدية. ويجسد الخط الكوفي بعداً يضم عناصره الأفقية والعمودية. فالقلم هو الأداة لخلق هذه الحركة دون توقف لغرض الذهاب بعيداً في البحث عن ماهو مطلق.

بدأت تكويني الفني في عالم الأشكال الهندسية والمواضيع الرمزية الشرقية التي يمتزج فيها الترتيب والنظام في نهج الزخرفة القائم على علم الرياضيات والهندسة وهو مليء بالعناصر الفنية في محاولة لتقديم التفسير الدقيق لكافة أجزاء السطح التي تمثل حالة "الخوف من الفراغ".

لقد تلقيت في عملي الفني تأثيرات متنوعة من أصولي ومن تجاربي وتفاعلي مع الثقافة الغربية تمثلت في استعمال جمع الايقونات الفنية والأصوات الموسيقى والألوان والأشكال الهندسية لنشآتي الفنية بلغة تتواصل وتتفاعل فضاءات ومجالات بشكل مكثف، إلا أنه بمعنى مختلف يكشف هذه الدوامة المعقدة للمنظور.

أركز عملي في الرسم على بعدين، الأول ترتيب المواقف بإيقاع وتشكيل مستو، إن كانت متوقفة أو متحركة. والثاني عدم وجود منظور، ولكن بنتيجة تقوم على أساس الشكل برسم مهمته . التحكيم والعمل على الانسجام في هيكيلية فن الخط. ودليلاً على  ذلك إن كل إشارة بغض النظر عن معناها، هي بحد ذاتها  تمثل شكلاً له أبعاد وترتيب تميل إلى تحقيق نتائج وفق مفاهيم هندسية تسمح لي تفسير الحقيقة. ومن خلال امتزاج الخط مع بقعة اللون تأخذ الجمالية شدتها بالظهور وبانسجام يسهم في ايجاد حوار لتلاقي تقاليد متناقضة من زوايا نظر عدة لخلق مجال فني خاص .

 

 

في مقال تعريفي كتبه الناقد والمعماري الإسباني المعروف نافارو بالدويغ مقدماً

به كاتلوج معرض حنوش يقول:

 

" تتعايش في أعمال حنوش التشكيلية تلك القدرة على المزج ما بين التجريد و

التشخيص الفني. إذ نلاحظ في الهيئات المرسومة عملية توزيع منتخبة فوق عمق ماص

لها، وكأننا أزاء تشظية مقصودة فوق إطار مكاني يشبه لحد بعيد عملية ترتيب قطع

متناثرة لإتمام تواجدها.. لقد عمل على واقع سطح اللوحة وضمن عملية تعايش ممكنة

خلط بين السطح التجريدي و كل تلك الصبغة التشخيصية بعناصرها الممتدة و السرية

منها بشكل سمح لخيوطها المتعددة أن تتضافر مع بعضها البعض، كما لو كانا صوتين

متحاورين و متفاعلين، يتمازجان بصخب أو حتى بكل الطاقة الممكنة للصمت المطبق..

إن الواقع الذي يداور هذه الأعمال الفنية هو أكبر بكثير مما تحوي به اللوحات

للوهلة الأولى."

 

الأعمال المرفقة للفنان حنوش

 

started 1 MAY 2010                 email : info@ila-magazine.com

design: gitta pardoel logo: modhir ahmed   © ila-magazine