حسن شريف الفنان الذي تلمّس الأشياء بمخيلته
علي رشيد
مات حسن شريف (مواليد 1951 - 18 سبتمبر 2016). مات الفنان الذي كان يرى الأشياء بقلبه ، ويتلمّسها بمخيلته لينجز فنا مبتكرا يؤسس فيه لواقع فريد يتماهى مع واقع الحياة اليومية ، و سيرة الناس ، وأدق تفاصيل انشغالاتهم . كان عمله تدوينا للحظة ، والمكان الذي عاش فيه . باحثا في موجوداته ، ومرمياته عمّا يكرس مشاعة الفن ، وشموليته متخطيا فن الصالات ، وقياسات الجمال المفترضة ، نائيا بنفسه عن مهرجانات التكسب ، وبورصات الفن الرخيص التي غزت سوق الفن .
لقد شكّلت أعماله التركيبة التي أنجزها في بداية ثمانينيات القرن الماضي صدمة للمتلقي في الإمارات ، و دول الخليج بعمومها ، ولم تقف هذه الصدمة عند حدود المتلقي ، بل كانت حيرتها تلسع بصيرة أغلب أقرانه من الفنانين ممّن لم يتجاوز وعيهم اللوحة المرسومة ، والمنحوتات التي كانت تنتج ضمن مفاهيم أكاديمية ، ومدرسية بحته ، وبمستلزمات المواد المستعملة في تنفيذ العمل الفني ، فجاءت تجربة شريف لتخلخل المفاهيم التي وقف الفن الإماراتي عند حدودها حينها ، فرمى حصاة في بركتها الراكدة ليثير العديد من الأسئلة ، وليحفز الذائقة كي تتماهى مع فن جديد ، فن لا يخاطب العين ، بل كيان الإنسان وحضوره . هذا الحضور الذي سيتحول إلى عنصر فاعل يتبادل الأدوار مع فن يشير له ، ومواد تشغل المكان ، هي من مستهلكاته ، وفكرة هو جزء من نشأتها ، وبلورتها .
أذن كل ما هو موجود يحيل لوجودهما، وكل ما معروض يشير لحضورهما . هذا التماهي بين الفن والكائن هي الرسالة التي سعى الفنان إلى تفعيلها للتعبير ومن خلال الفن عن أسئلة كبرى تتعلق بالواقع وافتراضاته .
لم يغادر الفنان حسن شريف الإمارات القديمة ، على الأقل بواقع تفاعله بصريا مع تراثها ، وهويتها بل حتى مع بساطة المفردة ، والعناصر التي كان يشكّل فيها تركيباته في الفراغ ، ربما اعتمد العديد من الفنانين المفاهيميين على المادة المبذولة ، والمستهلكات ، لكن يمكننا الجزم أن الفنان الراحل كان أكثرهم زهدا في تركيب موجوداته ، بل كثيرا ما كانت معروضاته تبدو وكأن العمل تراكم بعفويته دون تدخل من الفنان ، وهذه ميزة تحسب لهذا الفنان الرائد في فن التركيب “ التنصيب “ Installation . كان مرسمه وباحته الخارجية مزدحما ببالات و كتل من مواد مستهلكة و بقايا أسلاك ، و كارتونات قديمة ، وحبال ، وعلب بلاستيكية ، وأحذية و نعل قديمة و مهترئة . كان الفنان يجمعها معا ليشكّل منها عوالمه البصرية من بعد . لم يكن هنالك الكثير من الحدود بين الأعمال المشكّلة ، وبين لحظة جمعها ماقبل البدء في بنائها التركيبي ، كما لو أن عفوية هذا الفنان المبتكرة تجعل المادة تنصاع بصريا لمخيلته ، بدأ من لحظة التقاطها ، وطريقة خزنها ، ومن ثم تركيبها للعرض .
لم يجمعني بالفنان الراحل حسن شريف سوى لقائين عابرين . كان يتحدث خلالهما عن أعماله بزهد ، وتواضع ربما هي ميزة لهذا الفنان الذي شغل بلاده وماجاورها بفن لم يكن متاح لذائقة الناس في ذلك الوقت . كان حزن شفيفا يغزل عينيه . حزن أكبر من أن يكون حزنا شخصيا . حزن غامض ربما يعرف المقربون منه أكثر منا هموم هذا الفنان الزاهد ، وعزلته التي كرسها لفنه ، وتجاربه التي فتحت آفاق مهمة للفن والفنانين من معاصريه وحتى الشباب في الإمارات والخليج ، وحتى عربيا وإلى اليوم … وداعا حسن شريف .
محرر إلــــــــــــــــى
الأعمال المرفقة للفنان الراحل حسن شريف
started 1 MAY 2010 email : info@ila-magazine.com
design: gitta pardoel logo: modhir ahmed © ila-magazine