ILA MAGAZINE
المونودراما من وجهة نظر المسرح الفرنسي ،، ومدى ابتعاده و اقترابه من نظرية ( المونودراما - التعاقبية ) للفنان المسرحي فاروق صبري
سمير عبدالجبار
تاريخ المسرح كتب من قبل كتاب ومؤلفين و باحثين ، وصحفيين ، وكتب كذلك من قبل الجمهور شفويا . ولم يكتب من قبل الممثل لماذا ...؟؟؟؟
لأن كل العروض المسرحية المونودرامية التي رأيناها، ونراها اليوم سواء في العراق والبلدان العربية والمغاربية ، كان القائمون على تقديمها ممثلين احادي الجانب ، تقلييديين وليسوا خلّاقين في العملية المسرحية عامة والمونودراما خاصة.
(مولير ) الممثل الخلاق الذي كان يكتب ، ويمثل نصوصة في نفس الوقت عرف قبل قرون هذه العلاقة المعقدة بين الكتابة والتمثيل . هذا اللغز الذي لم يفهمه المسرح المعاصر حيث فهم المسرح (كأدب ) ، في حين ( مولير ) فلت من هذه النظرة ، وكتب نصوصه للجسد لكي يكتبها الممثل على الصفحة العذراء لفضاء المسرح .
الممثل المونودرامي يسمى باللغة الفرنسية (solo ) هو صنف من المسرح عليك إن تحجز مسبقا لكي ترى عروضه وربما لا يحالفك الحظ بسبب إقبال الجمهور على مثل هذه العروض . حتى أن العديد من ممثلي هذه العروض يقدمون تجاربهم في قاعات المؤتمرات الكبيرة ، وقد يصل عدد المتفرجين الى خمسين الف . هذا الإقبال الشديد ليس لكونهم مشهورين ، أولديهم سمعة فنية طيبة بل للميزات الخلاقة للممثل ، ويمكن الاشارة إلى عروض ريمون ديفوس - زوك - كولوش - جمال دبوز - كاد الملاح - فليب كوبير - بيكار ... و القائمة طويلة .
انا العامل كممثل في مسرح الشمس اعشقهم جميعا ومتابع لأعمالهم منذ وجودي في باريس رغم اني ممثل في فرقة تلغي الفردية وتؤكد على الأداء الجماعي والملحمي .. كل واحد منهم لدية من المواهب المتعددة اضافة الى الذكاء و الخفة والسحر والدهاء . والفارس يطلق عليهم ( enchanteur ) سحرة يسحرون المتفرج ويسحبونه الى دائرتهم السحرية . أنهم فنانون concret واقعيون يشبهون الواقع بما يسردون في حكاياتهم وقصصهم . ولكن النقطة الأساسية في عروضهم التي تطول احيانا الى أربعة ساعات ،، هو القضاء على حالة الضجر والملل . هم في يقيني خلاقين كبار يستنبطون عروضهم التي تمتع عواطف وأحاسيس المتفرج ، مع سيطرتهم على تقنياتهم وادواتهم كممثلين.
فليب كوبير الممثل القادم من مسرح الشمس والذي منذ ثلاثين عاما حيث يعمل بمفرده ،، قدم السنة الماضية عرضا مسرحيا بمفرده امتدد إلى إحدى عشر ساعة . لم يكن هناك معه ممثل لكي يتعاقب معه حسب مفهوم الصديق فاروق صبري . هو ممثل يمتاز مثل الآخرين الذين ذكرتهم بابعاد أسطورية مثل شارلي شابلن عباقرة في الأداء ، وبفنهم المسرحي .
بعضهم لا يقدم للجمهور الحقيقة اليومية - الحقيقة السهلة و الحية بل يقدم وهم الحقيقة . المتفرج يدخل في عروض كوبير دون جهد واضح فتدخل في زمن الممثل وبسرعة كبيرة رغم ان الممثل يتكلم عن حياته الشخصية طيلة العرض ، وهو مؤلف النص ، ودراموتورج عروضه وليس هناك نص لمؤلف اخر يكتب له نصوصة مثلما فعل مولير .
المدارس والنزعات والاتجاهات التي يعمل عليها الممثلون الذين ذكرتهم آنفا هي
- ممثل البرفوغمنس -- performance / و on l'an show / musique hall ..
الممثل الذي لا يمتلك هذه القدرة التي لخصتها المدارس الثلاث علية ان يراجع معارفة المسرحية ، او أن يرتاب بموهبته ، او ينقلب عَلِي قواعده التي رسمها كممثل ويثور عليها ويحطمها .. والا ستكون عروضة بائسة وكسيحة ، وممللة ، ومضجرة . بل ستكون لغو وأطناب صوتي ولغوي يهرب منها حتى المتفرج المهني والصبور .
العودة الى البساطة والسحر والشعر والمفاجأ ت المسرحية المدهشة في عروض هذه المدارس الثلاثة لكل واحدة منها زمنها المسرحي ، وإيقاع زمن ممثل البرفوغمنس يختلف عن ممثل الميوزك هول ، أو ألمان شو . هو زمن متخيل وكثيرا هو منفصل عن زمن الحقيقة المشخصة والتجارية . زمن قريب من الزمن الموسيقي ، وزمن السينما ، أو من زمن الرواية ... زمن حر . هذه الحرية تسمح للممثل الخلاق ان يخلق زمنه الشخصي او زمن الشخصيات التي يمثلها رغم كونه وجوده المنفرد على المسرح . هو يمتلك كل السلطة في تقديم نفسه ، وتقديم العالم ايضا . ممكن ان يسرع مثل عداء رياضي كما في عروض جمال دبوز وكوبير تسريع الزمن المسرحي او العكس البطئ او التوقف كليا والتلاعب بزمن العرض . من الصعوبة ان تكون فردي دون أن تكون (كوني universire ) -- مولير وشكسبير نصوصهم أعطت لنا أكثر من مستوى للقراءة ، لكونها كونية موجهة للعامة ، بل تتوجه لأجيال مختلفة ، ومستويات مختلفة من الأعمار..
ممثل المسرح المونودراما لكي يمثل يجب أن يجد ذلك الطفل الذي كانه ، مع نظرة الى عالم
الكبار . ان يكون ساخرا لكي يمتلك قلب جمهوره . أن يكون راويا ، و ساردا وساخرا . وأن يبحث وهو يبحث عن الزمن الضائع . أن تكون سخرية تراجيدية بالطبع هذه تجعله اكثر شعبية populaire واقترابا من الجمهور . يغير الشخصيات في ذهنه ، ويراها الجمهور من خلال الانفعالات التي ترتسم جسده ووجهة . مع مخيلة لامتناهية تساعده على تدوير شخصوصه . جمهور ممثل المسرح الواحد هم في الأغلب من الشباب والمراهقين لأنهم امامه type نموذج من الممثلين يشتركون معه بالمزاج و الفكر و الذائقة و اللعب والسخرية واللا معقول . هناك رومانتيكية عالية ، هناك antipod ضد المزاح السئ و التثاقفية و التهكمية مع الكثير من طعم المرارة في الفم .. نراها عند ( فدريكو فليني و شارلي شابلن و كولوش الفرنسي ) .... كوميديا ماخوذة من الحياة ، كوميديا إنسانية .. الممثل يطرح على نفسه قبل ان يظهر على المسرح كل يوم ،،، ( avant de mourir on va s amuser un peu ) -- قبل ان نموت يتوجب علينا ان نتسلى قليلا .
اعود الى نظرية المونودراما التعاقبية التي بنى اساسها وطبقها ، وينظر إليها الصديق المسرحي فاروق صبري ،الشي المميز فيها انها تتخلى عن المونولوغ الداخلي "الحوار مع الذات "أو مع شخص وهمي متخيل . فاروق لكي يخلق نوع من الحيوية والحياة أوجد الممثل الاخر المتعاقب السارد الاخر الذي يمثل بالتوازي مع الممثل الاول . اجد في هذا ذكاء لخلق نوع من (الديالكتيك ) المسرحي . لكننا لا نعرف قانون هذا الديالكتيك هل هو قائم على الاختلاف مع الاخر ؟ .ثانيا توزيع الجهد المسرحي على الممثل الاخر . في حين ممكن للممثل المونودراما الخلاق ان يصور خروجه على المسرح وكأنه خروجا لعشرة ممثلين . حين يعرف ان الإخراج المسرحي هو فن إخراج النظر او البصر - عيون المتفرج - في هذه الحاله لا أرى ما يستوجب وجود الممثل المتعاقب . الممثل الخلاق هو وحده من يظهر الاشياء على المسرح ) jeu de regardé يقول شابلن " ،أنا أسرد نفس القصة دائما ، وهي قصة ذلك الطفل الفقير الذي كان يعيش طفولة فقيرة وبائسة " لكن شابلن كان وحدة في هذا السرد لم يكن هناك ممثل متعاقب معة . هو القادم من مدرسة الميوزك هول الأكثر جمالا وصعوبة ، حيث يمكن للممثل ان يكون مضحكا وراقصا ومهرج ، أو مغني وحكواتي وبهلوان ، كل شابلن العبقري كل هؤلاء
التجارب التي حقق بها صديقنا فاروق كانت معتمده على نصوص الآخرين.
في المحاضرة الاخيرة التي اجراها الأخ الفنان العراقي محمود ابو العباس تكلم عن نص جان كوكتو - الصوت البشري - ونصوص بيكت .. نصوص مكتوبة لممثل واحد كما وصفها ، لكنه غفل ان هذه النصوص مكتوبة للإذاعة ، وتسمى نصوص راديو فونك . لم أرى أن هذه النصوص قد قدمت على المسرح . نص الممثل الميلودرامي يكتبه الممثل لنفسه . يكتبه من خلال الارتجال اليومي ، الذي يستمر زمنه ربما إلى سته أشهر . بينما أذا عمل الممثل على نص كتبه الآخرون فسيكون العرض عرضا للمؤلف الذي كتب النص ، بينما سيكون الممثل أعار صوته وجسده ، ومخيلته فقط ، ولهذا سيبقى العرض يحمل صفات مسرح الهواة او المسرح المدرسي . الجميل في مقترح التعاقبية هي إيجاد vision موقف مسرحي ، أو الرؤية . أي أن هناك نظام لتحقيق وتنفيذ للعملية المسرحية ،، هذه تذكرني بالسينمائي الكبير (Woody allen ) وقوة التنظيم لدية والمثيرة للإعجاب هو أن حياته لها إربعة إيقاعات . هو يعرف زمن ، او شهر كتابته ، وشهر التصوير ، وزمن منتجته . هذه هي الإمكانية العالية في تنظيم حياته وتحشيد (الطاقة ) لدية حيث كل شي يسير نحو الهدف ونحو الخلق ... فهمت ان الروحية والعقلية التي يعمل عليها الأخ فاروق بالتعاقبية هي العقلية الجادة والرصينة والهادفة في حين هو الهدف في ممثل المسرح الواحد إرباكها تهديمها ، والسخرية منها ومن تناقضاتها .. عليه ان يكون مسرح ( politiquement in correcte سياسيا غير صحيح ... احببت جدا في المقترح النزعة الى المسرح المعاصر والحديث مثلما جاء في العمل الأخير ( المانيكانات ) وهو تطبيق للمشروع التعاقبي ، من اخراج فاروق صبري . فاروق يحمل الشك والكثير من الأسئلة المقلقة له في المسرح وسيجد أجوبتها في حقيقة الفن المغاير والآخر.
ممثل في مسرح الشمس الفرنسي