ILA MAGAZINE
ايطاليا تحتفل بـالذكرى 120 عام لميلاد ممثلها المسرحي ادواردو دي فيليبو
موسى الخميسي
تمر هذه الايام الذكرى 120 عام لميلاد الممثل المسرحي الإيطالي الشهير ادواردو دي فيليبو، وتحتفل إيطاليا بهذه المناسبة لهذا الفنان الذي كان مفكرا ذكيا يملك انفتاحا كبيرا نحو كل الأشياء التي تحيطه، وعكس ذلك على كل من عمل معه في المسرح والسينما، فكان بحق مربيا للجسد بحركته ومربيا للكلمة بأدائه.وبهذه المناسبة خصصت منصة وزارة الكنوز الثقافية الايطالية والقناة الخامسة التلفزيزنية المتخصصة للثقافة والفنون، مع عدد من مواقع المؤسسات الثقافية والمسرحية في عموم البلاد، يوم 30 من الشهر الجاري ، اجراء احتفالات عامة، تشمل عروض مسرحياته وافلامه، ولقاءاته واحاديثه، جنبا الى جنب لقاءات مع عددم من ممثلين ونقاد وكتاب، يتحدثون عن هذا المبدع الكبير. وبادر رئيس الجمهورية الايطالية سيرجو مارتيلا بافتتاح هذه المناسبة بكلمة وجهها من خلال القنوات التلفزيونية الرسميةلاحياء هذه الذكرى ،اشاد فيها بالدور الطليعي الذي لعبه هذا المسرحي.
ولمعرفة الأعمال الفنية التي ألفها واخرجها هذا الفنان القدير الذي اضحك كل إيطاليا بكوميدياته، والذي بكاه الجميع يوم وفاته، يحتاج المرء الى دراية واسعة في حقول اللهجة العامية النابوليتنانية" نسبة الى نابولي" الخصبة، ويحتاج الى محبة نابولي الماجنة، المتدينة، المتعالية، وعروض الناس العفوية وهم يمارسون طقوس حياتهم اليومية العاصفة, ويحتاج المرء الى حب حقيقي للمسرح لا الإعجاب فقط.
ادواردو دي فيليبو الذي يعتبره الطليان الابن الوفي للفنان الخالد بيرانديللو، ولد في 24 آذار( مارس) من عام 1900 في مدينة نابولي، وكان والده ممثلا مسرحيا كوميديا، وقد بدأ اهتمامه بالمسرح وهو في سن الرابعة من عمره حين أخذ دور الكومبارس. وفي الرابعة عشرة من عمره بدا رحلته الفنية الجديدة في المسرح، اذ بدأ عمله المتواضع في إطار الرغبة والتعلم والإبداع، فقد أدرك وبشكل مبكر بان الحياة" طويلة وان عملية الارتباط بالمبادئ العظيمةمن خلالها تمكن الانسان من تحقيقها اذا ما أصبحت المواجهة مبدعة وخلاقة على كل المستويات الأخلاقية والواقعية..".
شد رحاله الى مدينة روما من اجل أداء الخدمة العسكرية، وقد اكتشفت مواهبه أثناء تأدية واجبه العسكري حيث أعطي العديد من الامتيازات في التأليف وتقديم العروض، وعندما اصبح عمره 20 عاما، رجع الى "القلب" حيث نابولي، فألف فرقة مسرحية مكونة من أخيه " بيبينو" وأخته "تيتينا" بالإضافة أليه، وسمى تلك الفرقة " مسرح الساحر لأولاد دي فيليبو" وقدم الثلاثة أول مسرحية كانت سبب شهرتهم وهي " عيد ميلاد في بيت كوبيلا" اما أول مسرحية كتبها ادواردو فهي "سك.. سك الفن السحري" وبعدها قدم مسرحية " الرجل ذو الشعر الأبيض" لبرانديللو والتي أخرجها فيما بعد للسينما سنة 1936، كما اخرج عدة أفلام أخرى أخذها من مسرحيات بيرانديللو الشهيرة.
اما مسرحية" فيلومينا مارتيرانا" فكانت الوسيط المبدع الذي أوصل هذا الفنان الى القمة، لما استخدمه من صدق فني بناه على الواقعية المرئية، لانه اعتبر المسرح وباستمرار " عملية تفسير مبدع وخلاق للواقع" وقد وظفّ التراث في العمل الكوميدي، وتباينت زوايا الرؤية للاختيار في واقع مدينة نابولي المتصارع التي رفعها الى مستويات عالية، ومجدّ فيها القيم الإنسانية ونبذ كل من سعى الى الحط من مكانة مدينته الجليلة من مقاولين وتجار وعصابات مافيا. وقد كتب اغلب مسرحياته باللغة العامية النابوليتانية.
عرضت مسرحيته الشهيرة" فيلومينا مارتيرانا" في إيطاليا عام 1946 وبعدها طافت جميع أنحاء العالم، موسكو، بوينس ايرس، نيويورك، طوكيو، لندن، بروكسيل، وارشو، لشبونة، فيينا.. الخ وقدم بعدها مسرحية " هذه الأشباح" والحقها بمسرحية" أصوات من الداخل" أعقبها بمسرحية" حسنا يا قلبي" ثم " السبت.. الأحد.. الاثنين" والتي قدمها الممثل الإنكليزي المعروف لورنس اوليفيه على مسارح إنكلترا ونالت إعجابا كبيرا في عموم بريطانيا.
عرض مسرحيته الشهيرة" نابولي مليونيرة" على مسارح عالمية متعددة، وقد قالت عنه جريدة " التايمز" سنة 1972 أثناء عرض تلك المسرحية على مسرح" ورلد تايتر": لم نر في حياتنا ممثلا قديرا يعمل شئيا اذا لم تكن البدايات معادة الا مع الدراية والثقة الكبيرة التي يمتلكها هذا الفنان العظيم، اما صحيفة مانشيستر كواردين" فقالت " مثله مثل كل الممثلين الكبار شخصية غير مستعجلة ولكنها عظيمة للغاية".
آخر ما قدمه من أعمال فنية هو ترجمة مسرحية ( العاصفة) لشكسبير الى اللغة النابوليتانية، كما درسّ مجموعة من طلبة جامعة روما ، وذلك بإقامة دورة خاصة واعداد مسرحية خاصة للدورة ظهرت في كتاب .
لقد ظل المسرح عند ادواردو دي فيليبو بحثا عن الحقيقة بطرق صادقة تفتح مخيلة الآخرين على مصراعيها لتنطلق منها واليها الحقائق، فقد اتبع في اغلب أعماله أشكالا متباينة في التعبير عن عملية الصراع الحادة التي كانت تعيشها مدينة نابولي، وقد اظهر باستمرار القطبين الرئيسيين، وهما إحساس الفنان والعالم الخارجي، فكان خير من مثل هذا التوازن مستفيدا من اطلاعاته العميقة على التراث المسرحي المحلي والعالمي وما أفرزته عدسة الواقع النقدية والفنية لنابولي التي عايشها حيا وصراعا وهي تسعى لتخلق لنفسها بناءا متماسكا وسط الهزات والمتغيرات الاجتماعية والفكرية العنيفة التي تعرضت لها.
ظل المسرح بالنسبة له " إعادة صياغة الاشياء، والبحث في كل الثنايا عن روح النقمة والتحفز والتذمر.." وهذا يعني بالنسبة له تنظيم هذه الأشياء واعادة ترتيبها من جديد، والتنظيم لا يعني عنده المعنى الحرفي لتنظيم المشهد، بل هو عملية البحث عن الحقيقة والاقتراب منها بطابع خاص بالتفكير والتعبير، فهو يعتبر امتدادا لبيرانديللو، وستانسلافسكي وبريخت، فقد ركز على عملية الاستناد الى القاعدة للانطلاق من خلالها الى المعالم الخارجية للعمل الفني، وهذا يعني فهم المعاني السيكولوجية بكل أعماقها للفرد، وما تحيله الظروف الحضارية عليه.
يقول ادواردو في هذا الصدد "عندما أكون متهيأ لخلق دور جديد اتجه للبحث عن فهم فكر وكينونته الشخصية، ويأتي ذلك من خلال ما تقدمه كلمات المؤلف، وهذا نابع من كوني مؤلفا، فأنا اعرف تلك العلاقة التي تربط ما بين الدور والممثل، بالإضافة الى ان الممثل يمتلك الإيحاء والنظرة والحركة والجمهور، الا ان ردود فعل الجمهور المسرحي تندفع في كل قوة لتعين في فهم الطبيعة المسرحية للشخصية".
ويقول في مجال آخر وهو يخاطب الممثل" لا تدع نفسك تضطرب بكلمات الشخصية التي تبحث عن تكرارها مرات عديدة أمام الجمهور، اذ لربما تفقد هذه الكلمات معناها ان لم تركز أداءك على الجمهور، ان لم تشغل انتباهك بمحاولة امتلاك المشاعر والأفكار الداخلية للشخصية نفسها، ذلك ان المشاعر الحقيقية الداخلية تكمن ما بين الممثل والشخصية فقط..".
وفي آخر كلمة ارتجلها بعد ان تقلد منصب سيناتور في مجلس الشيوخ الإيطالي مدى الحياة على خشبة المسرح وهو يستلم آخر جائزة عالمية بكونه" ادواردو إيطاليا وادواردو العالم" قال وهو يخاطب الحضور:
في هذه الليلة أريد ان أشاهد المسرح من القاعة، واريد ان أرى المسرح وهو يسير، أريد ان أرى مسرحا لا يستسلم.. " .
ناقد و فنان / إيطاليا