(placeholder)

archive

ILA MAGAZINE

Website Building Application

{}

الأدب والفن في زمن الأوبئة l

إشراف : د. صالح الرزوق


لا جدال أن كورونا نقطة مفصلية في تاريخ البشرية المعاصر، وسيكون ما بعد تفشيه المروع مختلفا تماما عما قبله. لقد عبثت يده في عالمنا، وأحدثت متغيرات في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بل وفي أدق تفاصيل علاقات الإنسان بأخيه الإنسان. كيف تنظر لهذه المتغيرات، وهل أثرت " سلبا أم إيجابا " على نتاجك الفني والمعرفي؟.

وهل تعتقد أن ردة فعل الجميع متساوية. وماذا عن خططك للمستقبل وأعمالك التالية. هل ستكون تأملات في عصر كورونا، بشكل مباشر أو غير مباشر، أم لديك اهتمامات تعتقد أنها أغنى و أعمق؟.

وجهنا هذه الأسئلة لمجموعة من الزملاء الفنانين والأدباء المعروفين، أو من هم وسط الطريق نحو مشروع لم تتضح معالمه بعد. ووردتنا الأجوبة التالية. ونرتبها حسب تسلسل الأحرف الأبجدية لاسم الكنية.





















عزيز أزغاي/ شاعر - المغرب

لا جدال أن كورونا نقطة مفصلية في تاريخ البشرية المعاصر، وسيكون ما بعد تفشيه المروع مختلفا تماما عما قبله. لقد عبثت يده في عالمنا، وأحدثت متغيرات في الحياة الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، بل وفي أدق تفاصيل علاقات الإنسان بأخيه الإنسان. كيف تنظر لهذه المتغيرات، وهل أثرت " سلبا أم إيجابا " على نتاجك الفني والمعرفي؟

          مما لا شك فيه أن ما يشهده العالم اليوم، من تداعيات وباء كورونا، قد خلق حالة من الذعر والترقب والانتظارية المُحْبَطة لدى غالبية ساكنة كوكب الأرض من البشر، وذلك بسبب الفشل الذريع الذي أبان عنه الإنسان في مواجهة مضاعفات هذا الطارئ الجهنمي. لقد ظن الإنسان، قبل أشهر فقط، أنه بات متحكما في الطبيعة، حتى إن تفكيره صار منصبا نحو استكشاف باقي المجرات البعيدة عن أمنا الأرض، ليكتشف، خلال الأسابيع القليلة الماضية، أن قناعات الأمس القريب كانت مجرد وهم كبير انطلى كساده على الجميع.

الآن، بعدما أصبح الكل مقتنعا بخواء هذا المنطق الواثق من مخرجاته الهشة والباطلة، ما الذي ينتظر الإنسان؟ الأكيد أن ما سيعيشه العالم، في الشهور وفي السنوات القليلة المقبلة، سيكون قاسيا ومربكا، إن على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي. والأكيد، أيضا، أن الحاضنة الثقافية سيطالها نفس المصير القاتم. لقد أثبتت الجائحة أننا ابتعدنا كثيرا عن الشرط الإنساني فينا، عن حسنا التلقائي وعن مناطقنا المضيئة التي مازالت تختزل بعض حقائقنا المجردة من كل الأوهام الباطلة والبطولات الكاذبة والتفوق العلمي والتكنولوجي المزعوم. أزعم أننا سنعيد ترتيب أوراق وجودنا من جديد بما ينقذ ماء وجهنا، بل وبما يؤكد ضعفنا الهائل ونقصاننا المؤكد. سيكون الوضع مجالا ملائما لإعادة التعلم من جديد، كأنما لإعادة اكتشاف هذه الأرض كما فعل ذلك آدم أو جدنا الإنسان الأول أول مرة. هل سنتعظ أم لا؟ الجواب عن ذلك يبقى في عهدة المستقبل القريب.

أما عن مدى تأثير هذا الواقع المريب عن إنتاجي الفني والمعرفي، إن بالإيجاب أو السلب، فالأكيد أنني - ككل فنان وكاتب ينتمي بكل حواسه وجوارحه إلى هذا العالم - تأثرت كثيرا بمضاعفات ما حدث ويحدث حتى هذه اللحظة. فعلى الرغم من أنني لا أفزع كثيرا من فكرة الموت، إلا أنني كائن جبان يخاف من فقدان جمال العالم ومباهجه. ولا شك أن هذا الخوف بدا واضحا على مستوى انحسار آلتي الإبداعية، إن رسما أو كتابة أو قراءة. أحاول، قدر الإمكان، أن أتسلح بالوهم، وذلك أضعف الإيمان. لهذا السبب لم أعد أستطيع قراءة أكثر من أربع أو خمس صفحات من كتاب في اليوم، ولا أكتب إلا تحت ضغط خارجي بدافع الحفاظ على حبل الصداقة والمودة مع الذين يطلبوا رأيي في هذا موضوع الجائحة بالذات. أما الرسم، فأحس أنه أصبح ينتمي إلى زمن بعييييد وناءٍ. ربما أحتاج إلى مسافة أمان لإعادة تجريب أدواتي الفنية في القادم من أمل.

وهل تعتقد أن ردة فعل الجميع متساوية؟

الأكيد أن كل واحد منا يستقبل ثقل اللحظة بتيرموميتر مشاعره الخاصة؛ أي بمدى تحمله لهذا الفزع الهائل وبحقيقة الإنسان فيه. على أن المفكر والكاتب والمبدع والفنان لهم، ولا شك، حساسية مفرطة بعض الشيء عن باقي الكائنات، الأمر الذي يجعل منهم كثلا من الهشاشة تقتات من نفسها من أجل فهم الأشياء على نحو مغاير وأفضل. ولعل هذا الأمر هو ما تؤكده رمزية تراثنا الفكري والأدبي والفني الإنساني، الذي كان، وسيظل، شهادة حية وخالدة، تاريخيا، على كل المآسي التي خبرتها البشرية في ماضيها البعيد والقريب على حد سواء.

وماذا عن خططك للمستقبل وأعمالك التالية. هل ستكون تأملات في عصر كورونا، بشكل مباشر أو غير مباشر، أم لديك اهتمامات تعتقد أنها أغنى وأعمق؟

قد أكون مجانبا للصواب إن أنا تحدثت بوثوقية عن خططي للمستقبل أوعن أعمالي التالية. بل قد يكون كلامي مجرد جمل إنشائية باردة ينقصها ماء الحياة وكثير من الصدق المأمول. اللحظة، أنا منشغل بنجاة البشرية مما نصبته لنفسها من فخاخ ومما أنتجه عقلها المتهور والواثق من خزعبلات مخبرية وعلمية. أفكر في جملي الصغيرة التي سأتحدث بها عن مرحلة ما بعد الجائحة، بعدما يتجاوز الإنسان هذا الشوط المشؤوم من تاريخ ضعفهم. أفكر في تعديل نظرتي إلى الطبيعة وفي إعادة تربية طاقة الصمت في دواخلي وتمتين موهبة الإنصات إلى ما يحيط بي. وأفكر، أيضا، في كيفية الذهاب، مستقبلا، إلى الإبداع بتلقائية وبدون تكلف أو تصنع للقضايا أو ابتداع للموضوعات. وربما لن تحفل أعمالي بمخلفات كورونا، وفي المقابل قد أراهن على شيء آخر هو أقرب إلى الطفل المطمور في دواخلي منه إلى النضج الكاذب الذي نسوقه، فرادى وجماعات، في الكلام والمحاورات والدردشات الجانبية المفتعلة. وأخيرا، ربما قد أصاب بحالة عسر في التعبير، بل ربما توقفت آلتي الإبداعية، وسوف لن تتأثر البشرية من ذلك بكل تأكيد. المهم أن أبقى على قيد الأمل والثقة في كل من يتنفس معي هواء هذه الأرض المشترك. هذا كل ما أفكر فيه هنا والآن، ولا شيء آخر.


















محمد الأحمد / روائي وقاص - العراق

بالطبع أحدثت كرونا انقلابا في كل التفاصيل، إذ العالم بعد كرونا بات جديدا، ودخلت تفاصيل جديدة بدخول الفايروس إلى قائمة التهديدات الكونية التي بات الإنسان يخشاها.

أما الكتابة فتشغلني كثيرا، تملأ لي ذهني، ولكنها عصية على لا تنزل، صرت أقرأ اليوم كثيرا، ومهووسا بالمعلومات المتجددة التي خلفها كوفيد١٩، صرت أرى فيه كائنا جديدا نزل إلى الأرض من الفضاء البعيد.. إنه كائن دقيق يستهدف المسنين، والغافلين. كائن لم يصدق الإعلام أبدا في نقل معلومة صحيحة عنه. الدول العظمي تتهم بعضها البعض ولا معلومة حقيقية سوى الكوابيس.

وبخصوص الكتابة عن هذا الموضوع. لا جديد بسبب غياب الأوكسجين






















شوقي برنوصي / روائي ومترجم - تونس

يؤكّد الباحثون والمؤرخون أنّ وباء الطاعون -الذي أطاح بعديد الأرواح في أوروبا خلال القرن الرابع عشر- قد عجّل بالنهضة الأوروبيّة وأطاح بعدها بالسلطة الدينيّة وأرسى لمفهوم المواطنة، كما شملت تلك الفترة نهضة فكريّة وعلميّة انطلاقا من رائعة «ال ديكامرون» للكاتب الايطالي جيوفاني بوكاشيو وهي مجموعة قصص لمجموعة من النساء والرجال حاولوا مقاومة ذلك الوباء عبر الحكي والقصّ. أعتقدُ أنّ ما نمرّ به خلال اجتياح فيروس الكوفيد 19، يشبه ما مرّ به العالم خلال القرن الرابع عشر وسيحدث تغييرات عديدة.

أوّلا، أعاد الحجر الصحيّ الذي رافق هذه الأزمة تعميق علاقة الفرد مع ذاته، حتّى مع أكثر الأمور الحميميّة. لهذا السبب أظنّ أنّ عديدا من الفنّانين(كتّاب ورسّامين وموسيقيّين) هم بصدد توثيق هذه التجربة سواء عبر كتابة يوميّاتهم أو رسمها أو تأليف موسيقى تتماهى مع ما فُرض عليهم من عزلة. وأرجّح أن تتناول الأعمال الإبداعية القادمة شواغل الفرد وهواجسه. بالنسبة لي كان هذا الحجر فرصة لي لقراءة بعض الكتب وإعادة أخرى، ومكنّتني من استكمال رواية جديدة عبر إعادة كتابتها للمرّة الثالثة واخترتُ لها عنوانا مبدئيّا «حيوات مبتورة»، كما تشتغل زوجتي الرسامة نجاة الذهبي على مشروع «يوميّات فنّانة معاصرة» وقد أرّخت لأيام الحجر عبر لوحات صغيرة ومتوسّطة الحجم. أعتقدُ أنّ هذا التجربة جعلتنا نكتشف أنفسنا من جديد، وذلك بتأمّل فيما تمّ إنجازه سابقا.  

عُدتُ على سبيل المثال لقراءة رواية ترجمتها سنة 2017، والتي كتبها الكاتب الفرنسيّ جون دومينيك بوبي وعنونها ب«بذلة الغوص والفراشة» وهي مذكّرات كتبها الصحفي المشهور في سريره بالمستشفى عبر ترميش عينه اليسرى. أعاد فيها بوبي تأمّل في حياته ما قبل الحادث الذي أدّى إلى شلله التام. كذلك قرأتُ يوميّات سرير الموت، التي كتبها الروائيّ المغربيّ أيّاما قبل موته بسبب إصابته بسرطان في فمه، وهي تأمّلات في ما قام به في حياته وعبّر فيها بصدق عن رأيه في نقّاد الأدب وعن الإبداع في العالم العربيّ ومساندته للمهمّشين في بلاده والعالم. أعدتُ هذين العملين لأنّهما يتوافقان مع ما نعيش. صرنا نشبه العصافير وسط أقفاص، تماما مثل أرواحنا المحبوسة داخل أجسادنا والخائفين عليها من التحرّر بسبب الكوفيد. لهذا السبب، أعدتُ كتابة شخصيّات روايتي الجديدة وفق حالة العزلة التي أعيش.

في الحقيقة، لم أكتب يوميّاتي الخاصّة بأزمة الكوفيد19 عكس ما فعلته عند زيارتي للهند سنة 2018، لكن لا أنكر أنّ فترة الحجر عمّقت رؤيتي لنفسي وأفكّر بكتابة رواية تستلهم ممّا عشناه هذه الأيّام، عبر التركيز على أمور حميميّة أهملناها في ظلّ انشغالات العصر. كتبتُ مقالا حول المهن التي برزت خلال أزمة الكوفيد19 ، وقد يفتح لي هذا مجالا للتركيز على قطاع المهن في تونس والعالم العربي، والتي أرى أنّها لا تُثمّن جيّدا في عالمنا العربي.
























د. هناء البواب / شاعرة - الأردن

لا جدال أن كورونا نقطة مفصلية في تاريخ البشرية المعاصر، و سيكون ما بعد تفشيه المروع مختلفا تماما عما قبله.  لقد عبثت يده في عالمنا ، وأحدثت متغيرات في الحياة الاجتماعية ، والسياسية ، والاقتصادية ، بل وفي أدق تفاصيل علاقات الإنسان بأخيه الإنسان. كيف تنظر لهذه المتغيرات ، وهل أثرت " سلبا أم إيجابا " على نتاجك  الفني والمعرفي؟.

كورونا ذلك الكائن العجيب الذي قلب كيان العالم في لحظة لم تكن في حسبان واعتبار العالم، حيث تمكن الفيروس الكوفيدي من اجتياح كل منزل وقلب وحياة، ولم تكن متغيراته عادية، بل هي من جنح خيال حوّل الأمن كله إلى سطوة الجلوس في المنزل.

البيت  يصبح مرتبكا جدا، بالرغم من محيطه الهائل إلا أنه يتحول إلى سجن تنحصر فيه عصافير تتخابط بأجنحتها في قفص، الأكتاف ترتطم ببعضها البعض، نحس بأننا نختنق، لا طاقة لي على هذا الحصار، كل ما حولك يذكرك بالموت، بل يدفعك تجاهه وأنت محجور عليك قسرا وقهرا، حيث لا شيء يعفيك من الحديث عن كوفيد 19 الملعون، هذا الفيروس الذي دخل إلى السرير والحلم وشاشة التلفاز، صار لدي رغبة في تحطيم كل شيء، كل ما حولي يشعرني بالغثيان، رائحة المعقمات التي تفقدنا رائحة العطور، أصبحت أحاسيسنا معقمة مثل أكفّنا الباردة من استخدام الماء المستمر، فأنت لا تتوقف عن غسل يديك وجردهما كلما هممت بمسك ورقة أو قلم، أو حتى إن مرت ريح أحدهم بجانبك.

هذه المتغيرات جعلتنا فجأة ننظر للعالم من زاوية الوحدة والفراغ، فأنت محكوم عليك بالسجن، الذنب هو عدم التعقيم المستمر طوال سنيّ عمرنا، وكأن هذا الفيروس يريد أن يقتصّ لنفسه ولعائلته من بني البشر.

الجميع يعتقد أن الحجر قربنا اجتماعيا ونفسيا، ولكن الأمر بالعكس تماما، الحجر الصحي كان شعاره ( التباعد الاجتماعي) تباعدنا اجتماعيا ونفسيا و جسديا، أصبحنا كمن يحاول الخروج من الزجاجة أولا ليستعين بالهواء ويسرقه.

اقتصاديا كل منا يملك في جيبه ماله الذي بات يخاف على الإنفاق منه، وكيف له أن ينفق ما دام لا يعرف هل سيأتيه الرزق لاحقا.

الوقت يأكل كل شيء ماعدا لفظة الموت المحقق، الحياة تخنقنا، والتفكير اللعين في كل زاوية يهشم قلوبنا وأسماعنا.

وهل تعتقد أن ردة فعل الجميع متساوية.  ماذا عن خططك للمستقبل  أعمالك التالية. هل ستكون تأملات في عصر كورونا، بشكل مباشر أو غير مباشر، أم لديك اهتمامات تعتقد أنها أغنى و أعمق؟.

جاء يوم لتتعطل الأشياء، وتأتي أشياء أخرى وتتعطل وأهلها يتعطلون. كلّ شيءٍ يتعطل مع هذا الزمن الكورونيالي، يوم كما لو أنه طوفان كبير، يصفعنا على حين غرة، يحطمنا، نصبح رمادًا، تبتلع الحياة ما كتبنا فتمسح بقصائدنا فمها. إنها الحقيقة يُبتلع المرء بابتلاع معرفته.

لم نكن ندرك أن الأشياء ستتعطل، لاراحة لنا، نفر لائذين بالعذر الذي يفر هو الآخر، نسير بلا أعين، نعثر بخطواتنا، خطواتنا التي تضيق ولا تتسع لأقدامنا.

الكتابة حول تلك اليوميات المختلفة هي التي تشغلني اليوم، وهي التي تجعلني أضع نفسي في بوتقة ( أحاسيس معقمة) لأكتب حولها كل ليلة وكل ما يدور، بالرغم أني لا أعرف ليلي من نهاري، ولا أعرف ما الذي سأبدأ به، وكيف لي أن أتأقلم مع الحياة التي تجبرني على وضع قلمي جانيا، عليّ أن أكتب شعارات فوضوية و ثورية و تخريبية و سياسية ضد سكان الأرض جميعهم، عليّ أن أجعل العالم يخضع لي باعتباري واحدة من مثقفي الشوارع العتاة المزدرين للذوق العام المنحط. عليّ أن أزور المقابر المخصصة للكوادر و الأطقم الصحية و أن أترحم على فوضى كورونا التي عبثت بي وبحياتي.

عليّ أن أعرف جيدا طبيعة هذا الوباء الباغي الطاغي، فهو يكره النفوس الضعيفة، كورونا فيروس أرستقراطي، يختار من يريد أن يهاجمه.

لا نحتاج اليوم سوى أن نعيش في عزلة فكرية، لأننا برغم العزلة الاجتماعية وقفنا أمام التفكير المستمر المعارض لحياتنا.

أجد هناك على السريرِ جثةٌ تشبِهني، نعم في هذا الزمن تلك الجثة تشبه قلبي، فهي تحدق نحو السقفِ، يكتظ المكان بالأفكارِ الميتةِ، تلك الأفكار الكورونية التي تضرب الجدران ككرةٍ مطاطيةٍ لا تتوقف أبدًا، ترتطم بالسقف فتعود لرأسي، محاولةً الهروب نحو جنةِ الرؤوسِ الفارغةِ في البيت الذي يحبسنا جميعا، الخزانة تفتح أبوابها لحفنةِ المعقمات العالقة بقميصي، وتطرد رائحة الفرح من جسدي، إنها المخالب التي تشوه وجه الوجود، أحاول فتح عيني لكن الأمر صعبٌ، كل شيء حولي هو الموت المنتظر، كل من في الحظر الصحي ينامون فوق جفوني، لكن من أجل الضوء، الحب، الموت نتعب اليوم...فنحن لم نتعود أن تسيطر علينا أحاسيس الفراغ، لم نتعود أن نبحث عن شيء نفعله كل يوم وكل لحظة، ونحن المتخمون بكل مشاغل الحياة صباحا مساء، لم أكن أفهم معنى أن تستيقظ فلا تجد ما تفعله، وأن تحاول أن تخلق نمطا جديدا لحياتك.

أحاول تمضية  الليل، وفي ليالي حظر التجوال خصوصًا، أفتح الدرج أمامي لأخرج رواية "باب الليل" للروائي المصري وحيد الطويلة في محاولة لإكمال قراءتها، أقلب صفحاتها، يصيبني الملل، أترك الرواية وأفتح جهاز الكمبيوتر محاولة قراءة ديوان شعر بصيغة الـ" بي دي إف" مترجم عن الفرنسية للشاعر جلبير مونتيني.. مزيد من الملل، أشعر بضيق أكبر، أهرب من كل هذا بفتح أحد ألعاب كرة القدم أونلاين وأستغرق فيها، وانا التي لم تتابع الرياضة يوما، أو لم تعرف سوى صرخات الجمهور خلال المباراة، ولكني حاولت التسلّل من ملعب الفراغ لأحتفظ بنصف عقل لليالي الحظر الطويلة.

أرفع وجهي عن اللعبة، أفتح صفحتي على الفيسبوك، أبحث بين صوري القديمة، صور للعديد من الأصدقاء بمدن مختلفة، أصدقاء في مصر وتونس وقطر والكويت والبحرين وتركيا والمغرب ونصف العالم الذي زرته،  أتذكر المعارك الصغيرة التي خضناها سويًّا أيام الحب والضحكات المتتالية وما تلاها من أحداث.

هل كنت أخوض هذه المعارك كلها بنصف قلب أم بنصف عقل؟!!

لا يزال ليل الحظر ثقيل وطويل، ولا يوجد ما يقطعه انتقاما منه، أفتح دفتر مذكراتي اليومية التي أحتفظ بها دائمًا بجيب خفي داخل حقيبتي الصغيرة، لم أستطع تمزيقها والتخلص منها كما نُصِحت، أبدأ في مطالعتها بشغف، ولكن ليل الحظر طويل جدا، وكيف لي أن أحتفظ بنصف عقل.


























محمد نجيب بوجناح / شاعر ومسرحي - تونس

"ماذا سيتغير بعد كورونة 2019؟..

في اعتقادي لا شيء. فهل تغير الإنسان بعد الوباء الأسود، والحمى الإسبانية، وأثينا وهنكونغ..

أبداً، لم يتغير شيء. فالإنسان دائما معتد بنفسه..قد يرتعش أمام الموت..ولكن ما أن يفلت منه حتى يعود إلى غروره.

ربما تغيرت بعض الشيء مراكز القوة في العالم، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية لن تفرط في مكانتها بسهولة ولو كلفها ذلك حرباً عالمية..

خلال هذا الحجر، شاهدت الفيلم الكامبودجي "في البدء قتلوا أبي" و ما عاناه الكامبودجيون خلال حكم الخمير الحمر.. نظرت إلى أطفالي يلعبون حولي وتأكدت أن ما أعيشه أرحم بكثير مما يعيشه البعض كل يوم.

إنني كما لو كنت سجيناً في مزهرية:

لا أعرف كم مر من الوقت

فأنا في قاع الزهرية والوردة تحرس بيتي.

لن تغلبني الكرونة ولن اكتب تحت ضغطها...لكنها وفرت لي الكثير من الوقت لمراجعة وتتمة بعض النصوص..وإن تسللت إلى فكري فقد قتلت كل الشخصيات في نهاية آخر نص مسرحي لي».


















صالح البياتي / قاص وشاعر - أستراليا

من مفارقات الحياة أنني أعيش عزلة مركبه، طبعا إحداهما بإرادتي الحرة،أما الأخرى فقد فرضتها ظروف الوباء، الذي اجتاح العالم، هنا الحركة عندنا محدودة، عند مغادرة المنزل، مقيدة بالخروج لسبب معقول، كالتسوق أو زيارة الطبيب أو استلام الدواء من الصيدلية، ولرجل الشرطة الحق أن يتأكد من ذلك، عن طريق معرفة المكان الذي تذهب إليه، وعنوان سكنك، الغرامة للمخالفين كبيرة.

أشغل نفسي بالقراءة، أقرأ أيضا باللغة الإنكليزية حتى أحافظ على مستوى جيد في الفهم والإستيعاب.

أقرأ الآن مقالة عن لاجئة إيرانية، صحفية، تتحدث فقط الفارسية، وروايتها التي دخلت قائمة البوكر لهذه السنة، عنوانها شجرة البرقوق الأخضر*، الجائزة سيعلن عنها في التاسع من مايس/ أيار، والحفل سيكون افتراضيا بسبب الجائحة، أو الفاشية التي قلبت أوضاع العالم رأسا على عقب كما يقال في لغتنا العربية.

أما عن مشروعي القادم، أفكر برواية فلسفية، مثل "عالم صوفي". وصوفي هنا هو اسم بطلة الرواية التي ننظر إلى العالم بعينيها. آخر نص كتبته هو عن كورونا، قصيدة نثرية بعنوان "وستنجو".

قلت فيها:

كوفيد.. ياكوفيد

اضغاث الحلم الأمريكي، إنقلب كابوسا

والجمع يا كوفيد  تبدد  

تحت خيمتك الواحدة

أجتمع شتات العالم

مهما قالوا عنك..

تطفلت ، ام تلطفت!

لن تخيفني كثيراً

لأنك لم تأكلي سمكتي الصغيرة الذهبية

ولم تفسدي إغفاءة قطتي الصغيرة

ذات الشعر العنبري الأصفر.


*المقصود الكاتبة شوكوفي آزار
























فيليب تيرمان شاعر- الولايات المتحدة

صديق عزيز توفي للتو، بسبب الفيروس. وشاركت بتحية وداع مع عائلته - وكان هو موجودا في مجال رؤيتنا بجهاز التنفس. عاش بهذا الجهاز لأسبوعين ولكن ساءت حالته فقط - وهذا شأن معظم الحالات. ودعناه كل على حدة، على أمل أن يسمعنا، ثم قرأ الكاهن صلاته الأخيرة.

وبعد نهاية المجالسة الوداعية، أزال الطبيب الجهاز.

يا له من حادث حزين.

كتبت عنه قصيدة رثاء. ونحن نرثي أشياء كثيرة في حياتنا. التعليم أصبح أون لاين. لا نغادر البيت. وأساسا أنا أعيش في ضاحية بعيدة عن كلاريون. وتوفر لي مساحة للتأمل والكتابة والعزلة. هذا لم يتغير كثيرا. العزلة والمسافة الاجتماعية.


























روسودان خيزانشفيلي / رسامة - جورجيا

مثل كل الفنانين تقريبا، غالبا ما أعمل يوميا في الاستوديو، وفي هذه الأوقات الحرجة، طبعا، لا أتوقف عن العمل. ولحسن الحظ، لم يقاطعني أحد لأن الاستوديو بجوار بيتي.

لكن أشعر بالقلق لأنني لا أقابل أحدا باستثناء عائلتي ومع ذلك يمكنني تفهم ذلك.

وما أخبركم به ترك أثرا محتما على كل تصرفاتي، وهذا الوضع وباعتبار أنني فنانة لعب دورا محرضا، فقد بدأت بسلسلة حول هذه الحالة وكنت أنظر منها إلى نفسي. فهي لوحات تكشف مقدار الرعب من الذات، ويبدو كأنني أقرأ أو أشاهد في كتاب ثورتي الداخلية. إن هذه الحالة تؤثر إيجابيا على عملي وتغمره بشكل مطلق.