(placeholder)

archive

ILA MAGAZINE

Website Building Application

جرار " أي وي وي " التي شغلت العالم

علي رشيد


تمثل أعمال الفنان الصيني Ai Weiwei التي توصف بالمستفزة خلافا بين من يجد في تجربته موقفا سياسيا من القمع التي تمارسه السلطات التي تتفرد بالحكم وتفرض ايديولجيتها على شعوبها بالقسر مما يقود إلى مصادرة حقوق الإنسان ، وتقييد الحريات الشخصية وبين مناهضيه ممن يرون فنه دعائيا يحاول لفت الانتباه لشخص الفنان من خلال أعماله التي تصدم وبشكل كبير مشاعر البعض .


يبدو عمل جرة سلالة هان عملا رائعا لكم الإشارات التي يحمله بين السطور ، هو نوع من الجدل ، ومحاكمة لحقبة من تاريخ الصين كانت عودة آي ويوي إلى الصين بعد أن عاش في مدينة نيويورك لأكثر من عقد من الزمان في 1981-1993 بمثابة بداية لنوع جديد من الفن ، حيث خصص بعض أعماله لموضوعات التحول والتدمير. شرع في جمع السفن القديمة بهدف تحويلها إلى قطع فنية معاصرة. رأى بعض الناس أن هذا العمل هو وسيلة للتعامل مع أعمال الفنانين القدماء ، لكن البعض جادل في أنه كان يسيء استخدام عمل الفنانين دون موافقتهم ولهذا تبعات قانونية .


من منطلق الصدمة جاء عمله التدميري Dripping a han dynasty urn عام 1995والذي تمثل بثلاث صور باللونين الأسود والأبيض كبيرة الحجم تظهر مراحل إسقاط جرة ثمينة من سلالة هان عمدا من بين يديه عمرها 2000 سنة . من الطبيعي أن يثير هذا العمل استياء الناس وصدمتهم . بل وصفه البعض باللامسؤولية وعدم احترامه لقيمة المصنفات والقطع الأثرية التاريخية .

هل كان هذا الوصف لعمل وسلوك الفنان صحيحا ؟؟؟؟؟

في الصور لاتبدو على وجه الفنان اي وي وي أي تعابير حتى يخيل للبعض انه ينظر بازدراء لهذا التاريخ . لكن هذه ليست الحقيقة .

نعم كان يريد أن يشير إلى فكرة الازدراء من التاريخ ، والدعوة لحمايته مما قد يسيء له خصوصا مع القمع الفكري، و تهميش الفن ، وقتل روح الابتكار الذي ساد مرحلة الثورة الثقافية في الصين ودعوة المثقفين للخضوع لمبادئها ، وروحها كمنطلق وحيد لأي نتاج ثقافي ، أو معرفي .

” دعا الرئيس ماو الشباب بعد الإعلان عن ثورته الثقافية عام ١٩٦٦أن يقوموا بالانقلاب على الزعامة الشيوعية في البلاد. واستجاب لدعوته ألوف الشباب الذين عُرفوا فيما بعد باسم الحرس الأحمر. وغرقت الصين في الفوضى التي راح ضحيتها مئات الألوف، وجرى تعذيب الملايين، وتخريب جانب كبير من تراث الصين الثقافي. وبنهاية عام1968كانت الثورة الثقافية قد جعلت الصين على شفا الحرب الأهلية ”


أراد أي وي وي الإشارة من خلال عمله هذا إلى ماقامت به الثورة الثقافية من خراب متعمد لتراث الصين . رغم أن العمل سيثير حفيظة الناس وحنقهم من فعلته التي توجع العواطف لأن الجرار كانت تعتبر شكلاً من أشكال الأرث وثقافة الحفاظ على التراث ، خاصة أنه أسقطها عمداً. إلا أن الصدمة التي راهن عليها سيكون تفاعلها مع الحدث أكبر بمئات المرات من قراءة نصوصا عن الواقعة ”الثورة الثقافية ” وفعلها التدميري للفن والتاريخ خلال مرحلة الثورة .


” أذا كان كسر جرة واحدة أثار كل هذا الغضب والوجع ،  كيف يمكن النظر حيال تخريب تراثا بكامله ” ؟


مقابل صور كسر الجرة وضع الفنان جرارا على الأرض واستخدم أصباغ رديئة لتلوينها وهي الإشارة نفسها لقيمة التراِث ورداءة الثورة .


تبدو أعمال أي وي وي استنساخا للأفعال التي يقف ضدها في الواقع فهي تحمل سلبيتها كتناص من سلبية الواقع أو الحدث الذي يريد الإشارة اليه .  كما لو أنه يقدم عملا مسرحيا لمواقف تاريخية ، ومعاصرة .


لايحيد عمله ”بذور حبات الشمس ” في معرض تيت مودرن 2010 عن هذا السياق .

يمثل العمل سجادة من مئة مليون بذرة عباد الشمس مصنوعة من مادة البورسلان  اشتغل عليها ولمدة سنتين ونصف 1600 شخص من قرية يعتاش أفرادها على صناعة السيراميك استخدمهم أي وي وي لتنفيذ هذه البذور . كان عدد البذور بقسمة بذرة واحدة لكل ثلاثة عشر صينيا . رافق العمل فيديو بثيمة The use of people  لمراحل عمل الناس على مشروعه هذاحيث أشار فيه إلى صعوبة العمل ومشقته .


هدف أي وي وي من وراء عمله هذا  منح فرصة عمل لأفراد هذه القرية حيث كان عملهم يعاني من الكساد ، بل منحهم أجورا مضاعفة . في الوقت نفسه حاكى فلمه ” الفيديو ” ماتقوم به السلطة الصينية من دفع الناس إلى العمل بظروف صعبة وشاقة .


انشغل أ وي وي بالمهاجرين الغير شرعيين إلى أوربا ، بل باللاجئين السوريين وعذاباتهم بشكل خاص وزار معسكرات اللجوء وتحدث عن ظروفها اللاإنسانية ولذلك جاءت صورته التي حاكى فيها الطفل السوري إيلان الذي رمت الأمواج جثته على الساحل لتثير الجدل فعلى الرغم من الصورة جاءت عفوية بعد أن طلب منه المصور والصحفي Rohit Chawla الذي التقطها له ونشرها في مجلةً india today كجزء من مقال عن الفنان " تذكيرنا بالانقاذ الذي لانقدمه " إلا أن سهام النقد ممن يناهضوه كانت قاسيه حيث أطلق الفنان النيوريوكي شون كابوني Sean Capone على الصورة اسم " ضحية إباحية " ، كذلك فعل المصور الهولندي Henk Widschut هينك وايلدشوت الذي كتب ” الصورة سهلة للغاية ولاتثير المشاعر التي تخفيها صورة الصبي الميت ، لقد تعبت من إساءة استخدام هذه الصورة في كل مكان . لم أكن أتوقع منه ذلك . هو ليس الوحيد الذي استخدم الصورة ”


كل هذا لم يثن الفنان من المضي قدما في مشروعه هذا فقد استقل قارب مطاطي وبقي فيه وحيدا وسط البحر دون ماء للشرب ولساعات ليشير إلى المخاطر التي يتعرض لها المهاجرين .


أعتقد أن النظر إلى نتاج أي فنان دون النظر لتاريخه الشخصي يشكل نظرة مبتسرة وقاصرة في قراءة عمله ولهذا يبدو الحكم على أعمال الفنان الصيني أي وي وي أحكاما شاحبة دون معرفة تاريخ هذا الفنان ومواقفه


عرف أي وي وي في مسيرته بكونه ناقدًا للسلطات الصينية، إلا أن مشاكله زادت حدتها مع زلزال سيشوان في 2008 الذي أسفر عن انهيار أعداد كبيرة من المدارس ومقتل آلاف التلاميذ، وحاولت الحكومة إخفاء حجم الكارثة لأنه وبسبب الفساد المستشري في البلاد كانت الكثير من هذه المدارس مبنية من الطابوق الجيري الرخيص  وكانت تسمى “بمدارس حثالة التوفو”.

وجاء رد فعل أي وي وي بإنشاء جدارية تتألف من 9000 حقيبة ظهر لأطفال المدارس وعمل آخر باسم “ستريت” يتألف من مئات قضبان الحديد المسلح الذي جمع من الأنقاض، كما نشر أسماء 5000 من تلاميذ المدارس الذين ماتوا في الزلزال.


وفي تداعيات هذه الأحداث قامت الحكومة بإغلاق مدونته وجرى ضربه بعنف شديد، ونُقل إلى المستشفى على إثر إصابة في الرأس أدت لنزيف دماغي، ولزيادة مضايقته قامت السلطات بهدم الاستوديو الخاص به في شنغهاي بحجة البناء دون ترخيص، وتم سجنه والتحقيق معه بتهم تتعلق بحيازة مواد إباحية وتعدد الزوجات والتهرب من الضرائب ومع ذلك لم يتم إدانته بأي جريمة.


القي القبض عليه مرة من قبل الشرطة في الثلاثة فجرا لانه اراد الشهادة في المحكمة بقضية الناشط tan zuoren ولمنعه وضع في زنزانة منفردة وتم ضربه بضراوة حتى سبب له الضرب كدمات دموية في جسده ، واعتراضا على هذا قام الفنان بحلق شعره من جهة واحدة .

كانت هذه الإجراءات القانونية وراء رفض وزارة الداخلية البريطانية منح أي وي وي تأشيرة لدخول بريطانيا، بحجة أنه لم يصرح عن عدم وجود أدلة جنائية ضده.


عاش  الفنان " أي وي وي " طفولة مضطربة فقد كانت محكومة بالخوف وفقدان الأمان وعدم الاستقرار الذي سيصبح ملازمة لحياته  . فقد نشأ في جو معارض للسلطة ، كانت معارضته امتداد لتاريخ طويل لمعارضة عائلته وخصوصا والده . فحين سألته الناقدة sarah thornton : : من هو الفنان ؟

سحب أي وي وي نفسا عميقا وأجاب : كان أبي فنانا درس الفن في باريس وحين عاد للصين أودع السجن لثلاث سنوات بتهمة تأيده لماو وهناك بدأ بكتابة الشعر وحين بدأ ماو ثورته الثقافية كتب أبي نصا عن حدائق فيها زهرة واحدة ولون واحد فاتهم باليمينة ونفي إلى معسكر بعيد وضع فيه مع من اسمتهم السلطة ” أعداء البلاد ” .

كان هو نفسه كطفل ينظر لأبيه وقتها بسبب البروبوغدا على أنه عدوا للبلاد وقتها أختفى أكثر من مئة وخمسن الف مثقفا وكاتبا وفنانا . في منفاه حرق والده كل قصائده ونصوصه ، وأعماله الفنية خوفا من مداهمة رجال الأمن لمكان المعيشة داخل الكامب .


عاش مع عائلته حياة صعبه. فقد أجبر والده على تنظيف المراحيض العامة مما جعل أسرته منبوذة أجتماعيا يلازمها الفقر . حتى أنه عاش في إحدى مراحل حياته في بيتٍ عبارة عن حفرة في باطن الأرض حيث تعلم أي وي وي الشاب أنذاك صنع القرميد من التراب الذي كان يملأ المكان . تعرض الطفل أي وي وي للضرب والإهانة ، ورمى الناس بيتهم  بالحجارحجالأنه وعائلته كانوا بنظر الآخرين أعداء للبلاد وعلى الرغم من رد الاعتبار لوالده لاحقا إلا أن هذه التجربة تركت في نفس أي وي وي مشاعر قاتمة تجاه نظام بلاده .


تأثر أي وي وي بدوشامب ، وأولى الميديا واستخداماتها اهتماما كبيرا لأنه وجد فيها منفذا كبيرا لإيصال صوته الذي كان يحاصر بالقمع .


صورة اي أي وي و ي ب " تيشرت "  ماروني غامق ،  وسترته السوداء ، وسرواله الأزق القطني مع لحيته الرصاصية الكثة صورة مغايرة لمشهد الرجل الصيني . كان ينظر اليه من قبل الصينين باستغراب فهيئته تعطي انطباع عنه كرجل حكيم كونفوشيرسي او كما لو أنه فيديل كاسترو .

بهذه الهيئة قدم  قراءة في مدينة كاليفورنيا بدعوة من البرفيسور أكبر عباس . دارت محاضرته عن الحياة والفن مع السلطة في الصين . لكنه توقف عن القراءة واقترح ان يفتح نقاشا مع الجمهور عن حقوق الإنسان والحريات . شكل هذا التوقف صدمة للجمهور ، لكنها صدمة ارتبطت بهذا الفنان الذي يرمي كل مرة بأحجار كبيرة في بركة الفن الراكدة .


هامش : كثيرا ما أعتقدت أن الجرة التي حطمها الفنان لم تكن سوى جرة مستنسخة عن ما أشيع عنها . لكن الفنان أراد ان يوحي بأنها الجرة التاريخية لغرض احداث الصدمة خصوصا  لايمكن لأحد البت بحقيقة الأمر سوى الفنان والمصور الذي رافقه لحظة الحدث