(placeholder)

archive

ILA MAGAZINE

Website Building Application


سلمان المالك.. تحولات لونية لذاكرة بيئية

حكيم العاقل


التجربة الفنية لأى فنان تمر بمراحل مختلفة من البحث المعرفي والتقني، وصولا الى استقرار وقتي يكون في المحصلة تجربة لم تكتمل ولكنها تفتح افاق جديدة للتجارب القادمة خاصة اذا كان الفنان مستمر في الانتاج الذي يتحول الى تراكم معرفي في كيفييه التعامل مع المفردات التشكيلية وتطويعها للمنحى او الهدف الذي يريد ايصاله ، فالتجارب المستمرة تعطي للفنان ديمومة الاشتغال المستمر مستفيدا من تجاربه السابقة .

عندما يتروض اللوان ، ويدهشك طريقة توزيعه بين الكتل اللونية التي تتسق بتلقائية مدروسه برغم العفوية (المقصودة ) التي تكون الديناميكية الشكلية واللونية معاً ،هذه هي المميزات الاولية التي يستدرجنا اليها الفنان سلمان المالك الى عوالم مفعمة بالحيوية اللونية التي استطاع من خلالها تأكيد الخصوصية البيئية التي من حلالها يصطاد من الذاكرة بعض (الموتيفات) البيئية ، وبطريقته يفرز ويفند الاشكال التي يستجلبها بصور محرفة ليتم توظيفها في سياق معرفي ، وهذا ما يعطي للوحة سلمان المالك هذا التميز بكل بساطة واقتدار.





يشكل الخط بكل تعرجاته الغير منتظم وعفويته سمه تكوينات وبناء اللوحة لدى الفنان المالك ، فبساطه البيئة القطرية ومكونتها التي انعكست بتلقائية في اللوحة رغم ثرائها اللوني فا الخط يظل هو المحرك الاساسي للتفاصيل في الوجوه تشكل الحامل الرائيس للكتل اللونية التي يفصلها التضاد اللوني الذي يعطي للعمل الفني طاقة نعبيرية اضافية حتى الزخارف رغم بساطها فهي موضوعه بعناية في اماكنها مع اختيار مدروس للون بحيث يكون (التضاد) اللوني هو اساس التكوين (الاظهاري ) واستعاضة للخطوط الفاصلة .

نجد في لوحات سلمان المالك تحولات تكوينية تأكد الحالة التعبيرية مع الاحتفاظ (بهرمونية/ التضاد) اللوني فنجد النساء قد اتخذتا اشكال توحي بالمحلية مع معالجات حديثة يلعب فيه اللون بشكل اساسي ، والغريب ان المالك استطاع ام يصطاد الملامح برغم حالة التماهي بين الخط الغير منتظم والبسيط ، ومع ذلك نستشف البيئة الخليجية او القطرية تحديدا .

عاش سلمان المالك طفولة متنقلة في بيئة مثقلة بالعادات والتقاليد التي كونت شخصيته ، ودراسته للفن في مصرجعلته يتعامل مع الفن بصورة احترافية فا اكتسب الخبرة والمعرفة الاكاديمية العملية والنظريه ، الى جانب عمله في الصحف كرسام كركاتير في الصحف حيث عايش الاحداث اليومية المحلية والعربية، والعالمية ، وتدرج وظيفيا الى اخر عمل له مديرا لمركز الفنون البصرية ، ورغم انشغاله الوظيفي –العمل الاداري- ظل الفن شغله الشاغل،و منتج موكبا لكل الاحداث الفنية مواصلا البحث والتجريب ، وهذا ما نشاهده في معرضة الاخير(اتجاه) الذي اقيم في جالير المرخية وقدم تجربة غنية متنوعة ، سبقها عشرة معارض شخصية كان اولها في العام 1985م ،ومن خلال سلسلة المعارض التي اقامها الفنان نستطيع ان نلحظ الكم الهائل من التحولات الموضوعية واللونية في كل مرحلة خاضها الفنان با اقتدار ، وتقديم رؤية تتسق معرفيا وتقنيا مع المدلولات التي يعمل عليها.

يحمل سلمان المالك مخزون كبير من الذكريات والحكايات الشعبية التي التصقت بذكرته منذ الطفولة حتى الوانه استمدها من اللوان الخيام في الصحاري القاحلة الى جانب تركيزه على ملابس النساء فهو لايرسم الملامح والتفاصي ولكنه ينقل هذاء الاحساس اللوني ليقدم حلول حداثية في التعامل مع المعطى الجمالي كفردة قابلة للبحث ،وليس كحالة تسجيلية ، وهذا ما اعطى للوحة سلمان المالك خصوصية وتميز من خلال صياغته للعمل الفني بأسلوب حداثي وبساطة مقنعة وهذا ينطبق على لوحات الابيض والاسود حيث نجده يستعيض طريقة التلوين بدلا من الرسم وهذا ما يعطي للوحة طاقة تعبيرية هائلة .

عندما تجلس مع سلمان المالك يشدك كلامه عن الذكريات خاصة في مراحل طفولته الممتلئة بالقصص الشيقة وهو من موليد العام 1958م كان وقتها الخليج العربي بشكل عام يعيش ظروف معيشية متشابهة الى حدا ما ، وهذه الحياة انتهت الان وانتهت معها الكثير من القصص والحكايات ولكنها لم تنتهي مع سلمان المالك فنجدها تتجس كومضات مستله من حكايات ومغامرات عاشها الفنان الذي يطرح سيرته الذاتية الغير محكية من خلال لوحاته الممتلئة بالذكريات .

نجد في اعمال المالك استجرار تأكيدي للبيئة التي عاشها ، والمحملة بالذكريات المدموجة بتحررية الشكل من التسجيلية التي وقع فيها الكثير من الفنانين الذين يعيدون انتاج الصور الفوتوغرافية النقلية الجامدة .

اصبحت (المخيلة /الذكريات /الرؤية )هما السمه التي عمل عليها المالك ليضفي على اللوحة ابتكارية جديدة مستلهم للمفردات (الموتيفيه) البسيطة التي حولها الى رموز دلالية معرفية معطيا للفن معناه الحقيقي ، فقوة الالوان وتساقها من خلال التضاد (الكونترست) مع وجود اللون الاسود بمساحات لونية تكوينية اعطي للوحة ديناميكية واستقرار لوني ربط كل مفردات اللوحة وحصر الرؤية في داخل العمل الفني كما يحدث داخل ( الخيمة) في الصحراء الواسعة فالخيمة بزخارفها والونها القوية تقوم بعملية الاستعاضة البصرية المحصورة في الداخل بدلا عن الرؤيه المتلاشية في افق الصحراء الذي يكتنفه الغموض .

اسنطاع سلمان المالك من خلال بحثة واطلاعه على تجارب الفن الحديث في العالم ان يجد معادلته الفنية بالرجوع الى بيئته ، والى نفسه تحديد ليجد ضالته من خلال (ذاكرته) التي لاتنضب فمخزونه البصرية مختلط فيه الحكايات والذكريات والقصص التي تدور في بيئة محصورة ، وظف سلمان المالك كل ذكرياته في عمله الفني وهذا ما اعطاها شحنة هائلة من الصدق وحرارة (ادهاشيه) في التلوين.





وضف المالك الرموز الشعبية وادخلها في نسيج اللوحة مثيل (الطيور) التي كانت تتواجد ضمن اثاث البيت او للزينه عند النساء وكانت في الغالب تاتي من الهند مثل الطاؤس على شكل مبخرة او وجوه بشرية وجسم طير ، فهذه الاشكال الهمت الفنان،ووضفها في لوحاته وحولها الى رموز تعبيرية محورة وخلق من خلالها حوريات ثنائية بين المرأة وهذه الكائنات التي تحولت الى حكايات اسطورية ، استعان المالك بكل شيء له صله بالذكريات ليوظفه في بحثه الدائم في مخزون ذكرته التي لا تنضب مستفيدا من خبرته في التلوين والتكوين الرصين الذي مكنه من اخراج لوحة حديثة مرتبطة ببيئة ممتلئة بالذكريات .

في اعمال الفنان سلمان المالك الاخيرة نجد انه قد ادخل عناصر جديدة الى اللوحة مثل المكعب ذو الابعاد الثلاثية معطيا للوحة طاقة ابداعية اضافية خاصة ان هذاء المكعب ثلاثي الابعاد انسجم مع حركة الاجسام(النساء) ذات البعد الواحد الى اغطاء عمق اضافي للوحة لتاكيد الحالة التجريبية التي يعمل عليها الفنان مقدما صيغة بحثية جديده تجعله مستمر بالبحث لتقديم رؤى تتسق مع مشروعة ااتجريبي البحثي ، وهذا ما يجعل الفنان مستمر في تقديم التجارب الفنية الحديثة من خلال التراكمية المعرفية .

تظل المرأة في لوحات سلمان المالك هي مفتاح كل الذكريات والحكايات فهي العنصر المرادف للحياة بكل مايحيط بها من الغموض والسكينه والملابس الصارخة التي تلفت الانتباه والنظرة اليها بشكل عام ،استطاع الفان ان يخلق نوع من التوازن بين الموروث المتاصل في اعماقه والحداثة التي ينتهجها لتقديم فن معاصر يمتلك الخصوصية التي تفرض نفسها بقوة المعالجة المعقلنة ، ويبدو ان الفنان نجح في تقديم رؤيته بكل اقتدار.


فنان تشكيلي وناقد من اليمن

الأعمال المرفقة للفنان سلمان المالك