فلسفة الفعل الجمالي في أعمال الفنانة كيتا باردوا

صالح الرزوق

 

في أعمال الفنانة و المعمارية الهولندية كيتا باردول " Gitta Pardoel " اهتمام بالمساحة بقدر ما فيها من اهتمام بالفراغ. بتعبير آخر إنها تأخذ من هنري مور حساسيته النفسية و تنفصل عن واقعه. مور يوائم بين احتلال الكتلة للمساحة و بين احتلال الفراغ للفراغ. فهو يمزج المواد الصلبة مع الفراغات عن عمد لتكوين فكرة عن واقعنا الأجوف و العاطل عن الحركة و المتصالح مع عكسه. أي مع رغباتنا المكبوتة بالتعالي.

لكن باردوا تركز على النصف الأول من الصيغة. إنها تتوسع بالمساحات و بطريقة توزيعها في الطبيعة. و قد نفذت مجموعة من التنصيبات في أمكنة و مواقع حدية، على شواطئ الأنهار. في حقول مجاورة لتلال و مرتفعات. أو في سهول مستوية تأكلها الأعشاب. و تنصيبات باردوا هنا تضيف مفردات بسيطة، قد لا تقول شيئا محددا، لكنها تجبر أذهاننا على التفكير و التكهن.

ماذا تعني بهذه التنصيبات؟.

هل هي تدعو لتبديل معنى الطبيعة الصامتة أم تشير إلى معنى ضمني هو في طور النمو و التشكل.

مثل هذه الاستفسارات هي الجانب الحركي في مغامرة باردوا الفنية.

و في لوحاتها تقترح الإجابة.

فلوحات باردوا هي كتل و مساحات، المساحة حقيقية لأنها تشغل جزءا من المادة. و الكتل حدسية. بمعنى أنها بلا أحجام، إنها لا تهتم بإبراز عمق كل مساحة، و لكن بتدرجات كل لون.. من الداكن حتى الشفاف. مثلا تبدأ بالأسود و تنتهي بالرمادي. أو أنها تبدأ بالأزرق و تنتهي بالفيروزي.

و هذه ليست كل القصة. فالحبكة تتطور مع طريقة ملء الشواغر، كل لون يحتل مساحة لا على التعيين، و تجاور ثم تنافر الألوان هو الذي يزيد من حدة الصراع.

و أعتقد أن دراما الألوان جزء لا يتجزأ من فلسفة باردوا. في التنصيبات يوجد حوار للكتلة و ألوانها مع الطبيعة. و في اللوحات يوجد حوار تكاملي بين انتشار الألوان. و هي تنتمي لطور الأفكار السائلة. فالحدود ليست مستقيمة. إنها لا تشبه الصراط و لا حد السيف، و إنما تأخذ شكلا طريا، و تتداخل ثم تنفصل. و تباعدها و طريقة تجاورها هو الذي يسهم في تشكيل المعنى.

أضف لذلك التواضع الذي يسيطر على تراكم كل لون فوق الخامة.

و إذا وضعت في الحسبان أن هذه الألوان ليست بسيطة و لكن نتيجة مزج بين عدة مكونات، تعلم أنها تتكلم عن أثر لفعل و ليس عن فعل مستقل، و هو ما يسميه باختين "الفعل الجمالي".

لذلك يغلب على اللوحات التفكير، إنها تفكر بذاتها أكثر مما تفكر بالعالم.

وهذا الاتجاه الذي ينتمي لفلسفة ما بعد الحداثة المعكوسة، يلغي أهميه المحاكاة البصرية، و يطور مبدأ محاكاة التأويل. مع ذلك هو يراوح في مكانه من زاوية التصور. فإعادة ترسيم الواقع كما هو يتنحى لمصلحة إعادة ترسيمه كما نشعر به و نراه نحن.

و أعتقد أن المشاعر مبدأ موضوعي. و هي ليست ذاتية إن الفنان جزء من شبكة العلاقات التي تباعد و تقرب، و هو أيضا جزء مما يسميه هابرماز "العقل الأداتي التواصلي".

 

كاتب ومترجم من سوريا

الأعمال المرفقة للفنانة الهولندية كيتا باردول

 

 

started 1 MAY 2010                 email : info@ila-magazine.com

design: gitta pardoel logo: modhir ahmed   © ila-magazine