تقاسيم تستعير بوح الورق وتجلّياته

علي رشيد

 

شكّل الفنانون الشباب في البحرين بصمة ترسّخت في مسيرة الحركة الفنية التشكيلية من خلال تجاربهم المحدثة ، وانشدادهم إلى البحث البصري سعيا للتواصل مع التحوّلات والتوجّهات الفنية التي تسود العالم اليوم ، بل استنبط العديد منهم خاماته لتحرير العمل الفني من الجمود ، وتأهيله ليكون أليفا متوازنا مع بيئته ، وحاضنتها البصرية .

هذا البحث لم يأت بقطيعة مع تجارب من سبقوهم ، على العكس شكّل تواصلا في ديمومة هذه الحركة من خلال الحوار ، والتأثر ، بل والتأثير أيضا . لذلك نرى التواجد الراسخ للفنانين الشباب في العديد من الفعاليات الداخلية ، والدولية ، بل كانت حصتهم من الجوائز التي منحت لأعمالهم المتميزة تكريما لمكانتهم ، ولفاعليتهم في المشهد العام للفن البحريني .

 

لقد اختار أربعة من الفنانين الشباب المتميزين ( محمد المهدي ، حسن الساري ، أحمد عنان ، وجيهان صالح )  مفردة “ تقاسيم “ لتكون عنوانا لجماعة فنية أسسوها بناء على توافق في الرؤى ، والقيم البصرية التي ينشدونها ، والعمل على ضوء هذا التفاهم ، والحوار المعرفي الذي يشكل نسق هذا التجمع وخصوصيته ، وفرادته .

تتمثّل فرادة هذا التأسيس في إعادة الروح إلى التجمعات الفنية العربية التي نشطت في منتصف القرن الماضي ، وشكّلت مرآة للفن التشكيلي العربي في حينه ، وقادته إلى خصائص ودلالات جمالية ، وفلسفية متعددة ، وساهمت في اتساع طرق ، وتقنيات  التعبير من خلال العمل جماعيا على تفعيل الفن . لكن هذه الجماعات بدأت تضمحلّ ، وتتلاشى مع نهاية القرن الماضي بعدما تعاظمت الفردانية ، والعزلة التي لفّت تفاصيل حياة الفنان ، وانشغالاته .

 

تسعى الجماعة إلى معرض قادم تحت عنوان  “ تقاسيم “ تقدم من خلاله أعمالا منفذة على الورق ، هذا التوحد في استخدام الخامة تعبير عن سعيهم  لتحقيق رؤية فنية تستند إلى تجلّيات الخامة ، وخصائصها ، وما تخبيء من بوح . هذه المغامرة التي لا تخلو من الصعوبة خصوصا لو عرفنا أن العمل على الورق يقود إلى الفنان إلى متاهات ، ومسالك تحتاج إلى الكثير من اليقظة ، والمهارة مما يحتاجه العمل على القماش .

 

الفنانون

 

في أغلب أعماله السابقة كان الفنان محمد المهدي يشاغب سطح اللوحة بهاجس الطفولة التي تسكنه ، فالأشكال ببدائيتها ، والخطوط بعفويتها ، والنص بانفلاته من رصانة التجربة ، وقوانينها الجمالية يخلق لدى المشاهد جماليات ، ونصوصا أكثر دهشة ، وربما نكوصا معرفيا للبراءة . لكنه في هذا المعرض أراد الفنان أن يستجمع كمّ الحزن الذي قرص طفولة القماش لديه ، فاستجار بالورق ليكتب لنا عبر تقنية الصورة ، ومرارة الحدث . أعماله التي سماها ب “ اليزيديات “ كما لو أنه يرفع براءة الطفولة المكتنزة في روحه بوجه الجريمة أعتراضا على صمت تخثّر فوق ضمير العالم وهو يرى هذا الكمّ من السبايا المغتصبات ، لكنه وبوازع الانحطاط يتغاضى عن هذا الفعل البهيمي ، بل يدفع حياتنا إلى بهيمية ستلتهم أرواحنا المسكونة بالوجع .

 

اعتاد الفنان سيد حسن الساري على تدوين سيرة الكائن ، فهو يجعلنا على تماس مع شخوصه ومفرداتها الحياتية ، على تماس مع خيبة الإنسان ، ومتاهته . لذلك تحفل أعماله بالبعد الدرامي وبتوظيف تعبيري تطرح أسئلة حول ماهية هذا الصراع المحتدم بين الإنسان ومحيطه . عن كثافة هذا الغموض الذي يلبد المشهد . أنجز الساري أعماله مستعينا بخامة الورق ليشير من خلالها إلى مفردة “ التواصل “ عبر مجموعة من الأعمال التي حملت عنوان “ رسائل و أختام “ مستعينا بصور أشخاص ختموا المشهد الثقافي العربي بحضورهم كمحمود درويش وآخرين . ربما أراد الساري أن يعبر عن غربتنا ، وعن عزلتنا المقنعة رغم كم التواصل الافتراضي الذي يربك حياتنا .

 

يوظّف الفنان أحمد عنان المفردة التراثية من خلال استلهامه للمرأة في مجتمعه ، وهي تتواصل مع عالمها بطمأنينة تقودها نحو البهجة التي أراد لها الفنان أن تكون بديلا عن الاستلاب . فنساء عنان يتقافزن برشاقة أرواحن في عالم ساحر ، ومتخيّل . عالم أراد له الفنان أن يكون بهيجا بغنى ألوانه ، وبراقة زخارفه التي تتشكّل على أجسادهن كملابس تحتفي بالفرح . عالم يدون سيرة شخصية لنساء يقمن في واقع قائم يهفو إلى رمزية العمل . يبتكر أحمد عنان خامته لبناء نصه البصري ، خامتة مستوحاة من واقع شخصياته ، فهو يستعمل أقمشة الملابس الزاهية ، والمزركشة كعنصر من عناصر العمل من خلال الكولاجات التي يؤسسها بقطع القماش ، وبمعالجات لونية ، وخطوط مرسومة تجعل اللوحة متطابقة مع زمنها ، بل ومحيطها كما لو أنها أثر ينفتح على كيانه .

 

تحاول الفنانة جيهان صالح ترميم الذاكرة من خلال أعمالها ، فهي تستعير من الخامة “ الورق “ ألفتها لتحرير الزمن من نضوجه و النكوص به إلى حيث الطفولة وملاعبها ، إلى حيث البراءة وسعة المخيلة . فتبني أشكالا تحاكي ألعاب طفولتها مستخدمة تقنية “ الأوريغامي “ في طي الورق وتحويله إلى بناءات ثلاثية الأبعاد تشغل حيزها المكاني . تستخدم جيهان اللون بثرائه ليبدو العمل أكثر عفوية ، وقابلية على التأمل ، والإدهاش . هذا الانشداد إلى الطفولة يجعل المتلقي يتأمل باستفهام شساعة أعمالها التي تقف على الضد من واقع يفرض سطوته على الكائن وخياراته .

 

محرر إلـــــــــــــى

الأعمال المرفقة للفنانين محمد المهدي ، أحمد عنان ، سيد حسن الساري ، جيهان صالح

started 1 MAY 2010                 email : info@ila-magazine.com

design: gitta pardoel logo: modhir ahmed   © ila-magazine