الملتقى المتوسطي للفن المعاصر

علي رشيد

 

الكتابة عن الملتقى المتوسطي للفن المعاصر  Symposium Méditerranéen Des Arts Contemporain  الذي احتضنته مدينة الحمامات في تونس من 9 وحتى 19 من الشهر الجاري أكتوبر 2016 لابد من أن تحيلنا إلى الحدث الأكبر في هذا اللقاء الذي جمع نخبة من فناني العالم ، هو رحيل الفنان السوري الكبير مروان قصاب باشي في مغتربه الألماني عن عمر يناهز 82 عاما . هذا الرحيل " الخسارة " شكّل صدمة ، ووجعا مضاعفا للفنانيين المشاركين في الملتقى المتوسطي ، ولطلبة الفنون في نابل الذين شاركوا الفنانين هذه الفعالية حيث تعرفوا على هذا الفنان الكبير من خلال الحصة الثقافية التي كرسها الملتقى لتكريمه، والتي تحدث فيها الناقد فاروق يوسف عن حياته ، وتجاربه ، واسلوبه الفني . وكذلك من خلال الفلم القصير الذي يتحدث فيه الفنان الراحل للفنانة التونسية ريم العياري " المنسق العام للملتقى " خلال زيارتها له في بيته ببرلين عن سعادته بالدعوة الموجه له للمشاركة في فعاليات المتوسطي في الحمامات ، وتوجيهه كلمة للفنانين المشاركين ، وكذلك لطلبة الفنون . هذه المادة الفلمية التي يمكن اعتبارها وثيقة تاريخية مهمة في مسيرة هذا الفنان الكبير ، كونها توثق لآخر حدث فني في حياته الفاعلة بالفن ، وهي المشاركة التي لم يتمكن من أن يكون حاضرا لتفاصيلها بسبب وضعه الصحي ، لكن حضورا معنويا له زاد من الغنى الذي ينشده الملتقى .  و كان رحيله بعد انتهاء الفعالية الخاصة بهذا الحدث الفني بثلاثة أيام  كما لو أن الفنان أراد أن يكون لحضوره الفني المعنوي الأخير نكهة عربية .

 

افتتح الملتقى فعالياته بالندوة الصحفية في المركز الثقافي الدولي بالحمامات (دار سيباستيان) التي شارك فيها كل من الفنانة ريم العياري " المنسق العام للملتقى  " ، و الفنان علي رشيد " قومسير الملتقى "  و الفنانة  ان ميشال فريي ( رئيسة الجمعية الفرنسية للفنون ) ، والسيد معز حمزة " الكاتب العام للمركز الثقافي الدولي بالحمامات " . وقد حضر الندوة عدد من الصحفيين يمثلون مطبوعات ،  وقنوات تلفزيونية ساهمت اسئلتهم في تسليط الضوء على الجوانب الفنية ، والفكرية ، والحوارية التي ينشدها المنظمون من هذا الملتقى الذي هو في الأساس ركيزة لخوض حوار بصري متعدد بين الفنانين المشاركين ، وتعميق الرؤية و فتحها على رؤى أخرى مغايرة . والخروج بالفن التشكيلي من المحترفات التي تمثل صومعة لعزلة الفنان أثناء العمل ، إلى فضاء خارجي جمعي يتيح للفنان الاشتغال جنبا الى جنب مع فنانين آخرين ، وتحت أعين الجمهور من زائرين ، وطلبة فنون مما يرسخ الثقافة البصرية لدى مجتمعاتنا العربية ، ويحرض الذائقة على البحث والتفاعل مع الفن الذي أصبح ركيزة اساسية لتقدم المجتمعات ، وتحضرها .

 

شارك في الملتقى المتوسطي للفن المعاصر في دورته الثانية فنانون من جغرافيات متعددة لهم بصماتهم الخاصة على الساحة الفنية العربية والعالمية منهم أحمد جاريد ( المغرب ) ، بندورا سازدوفسكا ( مقدونيا ) ، ناصر حسين ( المانيا) ، نيجين كنفار ( إيران ) ، ابتسام الصفار (قطر ) ، ان ميشال فريي ( فرنسا ) ، علي رشيد ( العراق ) ومن ( تونس )  كل من الفنانين باكر بن فرج ، سامي بن عامر ، محمد شلبي ، نادية الزواري ، نبيل سامي ، بسمة بن يحيى ، ريم العياري ، والناقد فاروق يوسف ( انكلترا )  . وافتقد الملتقى اسماء أخرى مهمة  لم تتمكن من الحضور ، و المشاركة بسبب صعوبات تأشيرة الدخول ومنهم الفنان العراقي الكبير سالم الدباغ الذي يفكر الملتقى في تكريمه في دورته القادمة .

 

كذلك ركز الملتقى "وهو مايحسب له "  على مشاركة طلبة معهد الفنون في نابل في فعالياته ، واعطائهم الفرصة للاستفادة من خبرات ، وتجارب الفنانين المشاركين من خلال تنظيم لقاءات فكرية ، وعملية مع الفنانين  ، كذلك تنظيم معرضا لأعمالهم المنجزة خلال الدورة مع معرض الفنانين المشاركين الذي افتتح في " دار سيباستيان " في المركز الدولي بالحمامات الذي كان شريكا فاعلا ، وداعما للملتقى  ، بل مشاركا في احتضان الطلبة ضمن أروقته ،  وفتح أبواب المركز لهم ، ولأغلب الفعاليات الفنية ، والفكرية وبمصاحبة كادره الممثل بالسيد معز حمزة " الكاتب العام للمركز ، و السيدة ريم سلامة " الكاتب الثقافي للمركز " التي ساهمت في التحضير لأغلب الفعاليات الثقافية الفنية ،والفكرية مع قيامها بالدور التوثيقي لأيام الملتقى .

 

تأتي الدورة الثانية للملتقى المتوسطي للفن المعاصر في مدينة الحمامات - تونس لترسخ قيمة ، وفاعلية هذا الملتقى الذي نظّم دورته الأولى في مدينة أزمور - المغرب قبل عام . هذا الترسيخ يتأتى من الدفع بأتجاه الفن ، والعمل من أجل أن يسموّ الفن بصدق ، وحمية التجارب التي تشارك فيه ، وتترك أثرها له . يحفر الملتقى المتوسطي اسمه ليضاف إلى ملتقيات قليلة في عالمنا العربي عملت بجهد من أجل ترسيخ ثقافة بصرية تتداخل ببعدها الثقافي ، والاجتماعي ، بل والسياسي لتكون دفعا فاعلا من عناصر أخرى في بناء مجتمعاتنا المدنية المعاصرة .

 

محرر إلــــــــــــى

 

 

started 1 MAY 2010                 email : info@ila-magazine.com

design: gitta pardoel logo: modhir ahmed   © ila-magazine